وكان رد السبسى على هذه الانتقادات التى وجهتها له المعارضة: إنه تجاوز الدستور لمصلحة الشعب وحفاظا على استقرار البلاد
انتُقد رئيس الجمهورية بسبب الخطاب الذى خصص معظمه للحديث عن طرق معالجة أزمة حزب النداء. وتكمن أهم مآخذ السياسيين، والمحللين، والملاحظين، وغيرهم على السبسى فى الخلط الذى قام به بين مهمة رئيس الدولة ومهمة رئيس الحزب، وهو ما يعد خرقا للدستور. فالسبسى رئيس جميع التونسيين، ولم يعد رئيس حزب النداء ومن ثمة كان عليه أن يخصص الخطاب لطرح بعض المبادرات الخاصة التى اتخذتها الحكومة لمقاومة الإرهاب لاسيما وأن خطاب الرئيس كان على إثر العملية الإرهابية الأخيرة وتوقع التونسيون منه أن يطمئنهم على مستقبل البلاد.
وكان رد السبسى على هذه الانتقادات التى وجهتها له المعارضة: إنه تجاوز الدستور لمصلحة الشعب وحفاظا على استقرار البلاد معترفا فى ذات الوقت أن الصراع بين كتلتين داخل حزب النداء ترتبت عنه مجموعة من النتائج السلبية ساهمت فى توتر الناس وانشغالهم بما سيؤول عليه الأمر إن فشل النداء فى إدارة المرحلة.
بعد أسبوع من هذا التصريح أعلنت جمعية بوصلة وهى جمعية تمثل المجتمع المدنى تعنى بمراقبة أداء النواب، أن نائبا من حزب النداء صوت بالنيابة عن زميلته، وهو أمر مخالف للنظام الداخلى لمجلس الشعب، وعندما سئل النائب أقر بأنه اخترق القوانين «كل ذلك من أجل خدمة الشعب».
وبعد أيام من هذين التصريحين صادق أغلب نواب مجلس الشعب على قانون ينص على تخفيض الأداء المفروض على الخمور وعندما استفسر أحد الصحفيين، ممثلة عن حزب النهضة عن أسباب تصويت حزبها على هذا القانون والحال أن النهضة رفعت من الضرائب المفروضة على استهلاك الخمور عندما كانت فى الحكم أجابت النائبة يمينة الزغلامى أن الحزب وافق على قانون لا يشمل تخفيض الضرائب على الخمور فحسب بل على مواد أخرى أيضا كالعصير الذى يستعمله المواطن البسيط.
***
توضح هذه الأمثلة وغيرها أن أداء السياسيين ما زال مخيبا للآمال فعلاً وخطابا وبحثا عن الحجج والبراهين المقنعة للرأى العام. فما معنى أن يخرق ممثل أعلى سلطة فى البلاد الدستور؟ وما معنى أن يخرق السبسى وهو رجل قانون بالدرجة الأولى امتهن المحاماة طيلة عقود الدستور؟ وما معنى أن ينقلب نائب الشعب على النظام الداخلى والعقد الأخلاقى الذى يربطه بزملائه والرأى العام، والحال أن القوم وضعوا ثقتهم فيه وحملوه أمانة خدمة الشعب والوطن؟ وما معنى أن تخفى نائبة حزب النهضة (حزب ذو مرجعية إسلامية) الأسباب الرئيسية التى جعلت نواب النهضة يغيرون مواقفهم ومبادئهم وقناعاتهم ويقبلون تمرير بعض القوانين، التى تتعارض مع مرجعية الحزب مؤثرة فى مقابل ذلك الإيهام بأن القانون تضمن مواد أخرى ينتفع بها المواطن البسيط؟
إن حجة الارتكاز على خدمة الوطن والشعب والعمل على تحقيق الاستقرار حتى وإن اقتضى الأمر مخالفة الدستور تثير إشكاليات عدة أولها من يحدد مصلحة الشعب؟ ما علاقة رئيس الدولة ونواب مجلس الشعب، وهم الذين أقسموا على احترام الدستور، بالقانون؟ وكيف يتمثل هؤلاء القانون؟ ثم ما هو تمثل نواب حزب النهضة للقوانين الوضعية، وكيف حدث التناغم بين أحكام الخمر فى المنظومة الفقهية والنصوص القانونية الحديثة؟
إن المسألة تتجاوز فى نظرنا، علاقة النخب السياسية بالقانون ومدى احترامهم له وإيمانهم بضرورة الالتزام بتنفيذه لاسيما إذا كان هؤلاء يسنون القوانين، ويصادقون عليها إلى مسألة تتصل بإتيقا الفعل السياسى وتحمل المسئولية. فعندما يقترف من انتخبه الشعب ليخدم الوطن خطأ لابد أن تكون له الشجاعة الكافية ليقدم الاعتذار للتونسيين، وأن يلتزم بأنه لن يكرر الخطأ، وسيكون محافظا على العقد الأخلاقى حاميا للدستور. أما مسألة احترام نواب النهضة لمبادئهم وقناعاتهم والمواثيق والعهود فتلك قضية أخرى.
جميل أن يتحصل التونسيون على جائزة نوبل للسلام ولكن الأجمل من ذلك أن يكونوا على قدر تحمل مسئولياتهم التاريخية لا سيما إذا كانت أنظار العالم تتابع أفعالهم وأقوالهم.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة