يمكننى القول- وبقدرٍ كبيرٍ من الثقة- أن موجز تاريخ الأستاذ محمد حسنين هيكل هو الانتقال بين ثلاثة ولاءات ونصف
يمكننى القول- وبقدرٍ كبيرٍ من الثقة- أن موجز تاريخ الأستاذ محمد حسنين هيكل هو الانتقال بين ثلاثة ولاءات ونصف: الملك فاروق.. ثم الرئيس عبدالناصر.. ثم آية الله الخمينى.. ونصف ولاءٍ للرئيس السادات.
( 1 ) بدأ «الأستاذ» بالولاء المختلط بالخُضوع.. للملك فاروق الأول.. وكان مقاله الشهير «فى عيد جلوسِك يا مولاى».. شاهداً على بدايةٍ كانتْ ستمضى إلى أبعد.. لولا تحوّلات الثورة والدولة.
ثم بدأ «الأستاذ» ولاءً جديداً هو نقيضُ الولاء الأول.. وأصبح رجلَ عبدالناصر.. صديقاً وشريكاً. ولمّا جاء الرئيس السادات.. بدأَ مبكراً فى نقد عصر عبدالناصر، والتمهيد لنصْفِ الولاء الجديد.
وقد روتْ لى السيدة جيهان السادات- قبل سنوات- تفاصيل دور «الأستاذ» فى «ثورة التصحيح».. وهى الثورة التى أسدلتْ الستار على عصر عبدالناصر، وفتحت الستار لعصر السادات.. بينما استكمل قادة الناصريّة حياتهم خلف الجُدران.
ثم جاء انقلاب «الزعيم» على «الأستاذ».. فغادر هيكل الأهرام مُغَاضِباً.. إلى أنْ كان الولاء الأطول والأقوى فى كل حياته: آية الله الخمينى.
( 2 ) صاغَ الأستاذُ الخروج من «عبدالناصر» إلى «الخمينى» بأنه خروجٌ من «ثورة» إلى «ثورة».. ومن «ثائر» إلى «ثائر».. وكان دهاءُ «الأستاذ» حاضراً فى عملية الانتقال من «الناصريّة» إلى «الخمينية».. عبْر الإطاحة بـ«نصف الساداتية».
( 3 ) حاولَ «الأستاذ» إطفاء عبدالناصر، وإلغاء السادات.. وشَرَعَ يُخلى الساحة من الأبطال لأجل بطلٍ واحدٍ.. جاءَ به الغربُ فى طهران.
لم يعُد الأستاذ «ناصريًّا» إذن.. انتقد كلمة «الناصرية» و«الناصريين»، ورفض دخول الحزب الناصرى.. ولم يعُد الأستاذ يشير إلى بطولات عبدالناصر إلا فيما يتعلق ببطولات «الأستاذ». أصبح عبدالناصر حاضراً حين يحضر الأستاذ، وغائباً حين يغيب الأستاذ.. وأما «الناصرية» فهى مرحلة اقتضتها الضرورة.. ولا تصلح أن تكون فكراً أو سياسة!
وحين وضع الأستاذ «خريطة طريق» للإنقاذ فى عصر مبارك.. اختار لإدارة البلاد شخصيات كلها من أقصى اليمين.. من رشيد محمد رشيد إلى يوسف بطرس غالى.. ومن بين أسماء عديدة رأى فيها حلاًّ ومستقبلاً.. لم يذكر اسم ناصرىّ واحد!
ثم راح الأستاذ يهيل التراب على بطولات عصر عبدالناصر.. واختار أن يساند رواية إسرائيل ضد الرواية المصرية.. وقصاصات الموساد ضد الوثائق الوطنية.
أَنْكَرَ الأستاذ أىَّ بطولاتٍ لـ«رأفت الهجان» أو «جمعة الشوان» أو غيرهما.. وقال: «لم يكن هناك عملاء لهم قيمة داخل إسرائيل، إلا فى المسرحيات والمسلسلات». وهو نصٌّ قريبٌ من نَصِّ الموساد.. حيث كان ردّ المخابرات الإسرائيلية على إفراج المخابرات المصرية عن بطولات الجهاز فى مواجهة إسرائيل: «إن مضمون المعلومات التى قدمها مسلسل رأفت الهجان ما هو إلا نسج خيال، وعلى المصريين أن يفخروا بنجاحهم فى اختلاق هذه الرواية»!
وقد كان من سوء حظ الأستاذ.. أن عدداً من الاعترافات الإسرائيلية توالت مؤكدة حجم الاختراق الذى حققته مصر داخل إسرائيل.
اعترف إيسر هاريل الرئيس الأسبق للموساد، بأن «السلطات الإسرائيلية كانت تشعر باختراق قوى فى قمة جهاز الأمن الإسرائيلى.. ولكننا لم نشك مطلقاً فى جاك بيتون- رأفت الهجان». ثم نشر الصحفيان الإسرائيليان «إيتان هابر» و«يوسى ميلمان» كتاباً بعنوان «الجواسيس».. وفيه قالوا: «إن العديد من التفاصيل التى نشرت فى مصر عن شخصية رأفت الهجان صحيحة ودقيقة».
أما ردّ «جمعة الشوان» فقد جاء مباغتاً.. قال الشوان: «اعتاد الأستاذ هيكل التحدث عن أموات، لكنه سقط هذه المرة.. ومن سوء حظه أننى حىٌّ أرزق.. وأملك الأدلة على مواجهته وتكذيب شهادته»!
( 4 ) هكذا مضَى «الأستاذ» هادماً للزعيم أنور السادات بـ«الجُملة».. وللزعيم جمال عبدالناصر بـ«التجزئة». مضَى غمزاً ولمزاً فى عصر عبدالناصر.. تصريحاً وراء تصريح.. وفصلاً وراء فصل، واختار أن يهدم السادات فى فصلٍ واحد «خريف الغضب»!
أصبح إعجاب هيكل بعبدالناصر.. قديماً وبارداً، بعد أن توهّج إعجابُه بالأبطال الجُدد.. الذين أقاموا بطولاتهم على جثّة البطولة الناصريّة.
( 5 ) قابل «الأستاذ» الخمينى فى باريس.. وقابله فى طهران، وكتب مروجاً لثورته وسطوته.. كتابه الشهير «مدافع آية الله».
أصبح الأستاذ ضيفاً دائماً على الرئيسيْن الأسد فى دمشق، والسيد حسن نصر الله فى بيروت.. كما جاء الرئيسان «رافسنجانى» و«خاتمى» زُوّاراً إلى منزله الريفى فى الجيزة.
( 6 ) وَقَفَ الأستاذ هيكل ضدّ العراق فى الحرب مع إيران.. وكان هذا صادماً لكل من تأمّل «مُنظِّر العروبة».. وهو يؤيد العَجَم ضدّ العَرَب.. ويذهبُ متباهياً إلى طهران.. متمنياً سقوط بغداد!
ولقد صُدِمتُ وأنا أقرأ- ذات يوم- كتاب الأستاذ «المقالات اليابانية».. حين وجدته يذكر اسم «الخليج الفارسى» بدلاً من اسم «الخليج العربى». يقول الأستاذ فى فصلٍ بعنوان «إمبراطوريات الظلال»: «.. من شواطئ الخليج الفارسى إلى نيكارجوا على الأطلسى»!
( 7 ) إن من يتأمل مشروع الأستاذ لن يحتاج إلى مجهودٍ ليعرفَ أين يقف «الأستاذ».. فحيثما كانت إيران.. كان. ومنذ أن أصبح «الأستاذ هيكل» مستشاراً إعلامياً للخمينى.. انتهت مفاجآته المعرفيّة، ولم يعد لديه جديد.
فإذا ما أردتَ رأياً له فى اليمن.. لا تُفكر كثيراً، فالأستاذ- قطعاً- مع الحوثيين. وإذا أردت رأياً له فى سوريا أو العراق أو لبنان.. أو شأناً يخصُّ السعودية أو الإمارات أو الكويت.. لا مفاجأة على الإطلاق.. الأستاذ مع إيران وضد خصومها.
( 8 ) إذا كان الفكر السياسى عند الأستاذ محمد حسنين هيكل.. متطابقاً فى بعض جوانبه مع الفكر السياسى الإسرائيلى، وفى كل جوانبه مع الفكر السياسى الإيرانى.. فما الذى تعنيه «الوطنية».. وما الذى تعنيه «العروبة» عند الأستاذ؟.. هنا وقفةٌ سابعة.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة