زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة اليوم ليست الأولى، ولكنها ذات أهمية فى ضوء ما طرأ على العلاقات المصرية ــ السعودية من تغير
زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة اليوم ليست الأولى، ولكنها ذات أهمية فى ضوء ما طرأ على العلاقات المصرية ــ السعودية من تغير خلال العام الماضى مقارنة بما كانت عليه فى أعقاب ٣٠ يونيو. وأبادر هنا بتوضيح أننى لست من أنصار النظرية القائلة بأن فتورا قد أصاب هذه العلاقات بعد تولى الملك سلمان مقاليد الحكم بسبب عدم اكتراثه بمساندة الدولة المصرية، بل لاعتقادى أنه لو كان ثمة تغير فهو يرجع إلى الظروف الاقتصادية والسياسية، التى واجهتها المملكة العربية السعودية خلال العام المنصرم ودفعتها لإعادة ترتيب أولوياتها.
على رأس هذه الظروف التغيير الحاد فى الاقتصاد العالمى وانخفاض الطلب على المواد والسلع الأولية وما ترتب على ذلك من انهيار سعر البترول لما دون الأربعين دولارا. وإذا كان تأثير ذلك على كل البلدان المنتجة والمصدرة للنفط كبيرا فهو أشد وطأة بالنسبة للسعودية لأن حجم مدخراتها النقدية أقل نسبيا من مدخرات دول أخرى مثل الإمارات والكويت، وإنفاقها أكبر بكثير، وشعبها أكثر عددا، ومساحتها شاسعة. أما التغيير الثانى فهو الحرب فى اليمن، والتى دخلتها السعودية اعتقادا بإمكان توجيه ضربة حاسمة وسريعة ضد القوات الحوثية وأنصار الرئيس السابق والوجود الإيرانى، فإذا بها تتحول إلى حرب استنزاف طويلة ومكلفة، ولا تبدو لها نهاية قريبة. ثم يأتى بعد ذلك تصاعد الإرهاب داخليا والتوتر فى المناطق الشيعية شرقا، واتساع الخطر الداعشى شمالاً فى العراق وسوريا. وأخيرا وليس آخرا فإن السعودية هى الدولة الأكثر قلقا وتأثرا بالتغير الحالى فى موقف الدول الغربية من إيران والترحيب بعودتها إلى المجتمع الدولى بعد إبرام اتفاق الطاقة النووية.
كل هذه عوامل لم تكن قائمة منذ عامين ونصف العام، وتجعل السعودية اليوم بحاجة للموازنة بين رغبتها المستمرة فى دعم ومساندة الدولة المصرية، وبين ظروفها الاقتصادية والأمنية وحاجتها لإعادة ترتيب أولويات الانفاق داخليا والتحالفات السياسية خارجيا. ولذلك فإن استعادة الدفء فى العلاقات المصرية ــ السعودية يجب أن يستند أولاً إلى استعداد الجانب المصرى لتفهم طبيعة التحديات التى تواجه السعودية حاليا ولتجاوز الإطار الذى حكمها من قبل. وحتى لو أسفر لقاء اليوم عن استمرار تقديم منح مالية وشحنات نفطية أو الاعلان عن مشاركة فى مشروعات قومية كبرى، فلابد أن ندرك أن هذا وضعا غير قابل للاستمرار وأن نتقل بالتعاون إلى ثلاثة ملفات قابلة للاستدامة على المدى الطويل: (١) تشجيع الاستثمار السعودى الخاص فى القطاعات الاقتصادية المختلفة عن طريق تسهيل الإجراءات وإتاحة المعلومات وحل مشاكل المستثمرين القائمين، (٢) الدخول فى حوار مع الحكومة السعودية حول احتياجات المملكة مستقبلاً من العمالة الفنية والمهنية والخبرات فى مختلف المجالات حتى مع التراجع المرتقب فى الانفاق العام، مع استعداد الجانب المصرى لتدريب وتأهيل هذه العمالة ووضع الإطار المناسب لحماية حقوقها، و(٣) إشراك اتحادى الغرف التجارية والصناعات المصرية فى التشاور مع الجهات السعودية من أجل فتح باب تصدير المنتجات والخدمات المصرية إلى المملكة بشكل مدروس ومدعوم من الدولتين، لأن إعطاء أولوية وأفضلية للمنتجات المصرية يحقق مصلحة للطرفين، باختصار فإن تطوير العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية يتطلب شراكة جديدة تستند إلى بحث ونقاش صريح حول المصالح التجارية المشتركة وإلى تجاوز الاعتماد على المعونات والمنح.
من جهة أخرى فإن الشراكة بين البلدين بحاجة للخروج من الإطار الرسمى الذى يقتصر على مفاوضات واجتماعات مغلقة بين الحكومتين إلى مساحات جديدة من التعاون والتفاهم بين الشعبين، ولتحقيق ذلك يجب العمل على تغيير المفهوم السائد فى مصر شعبيا وإعلاميا بأن السعودية مجرد مصدر للمال والنفط وفرص العمل، إلى إدراك حقيقة أنه بلد يموج بالتيارات والأفكار والتناقضات التى تميز كل مجتمع إنسانى معقد، وأن لديه أكبر نسبة من المبعوثين للتعلم بالخارج والعائدين بأفكار وأحلام حول التغيير والإصلاح، وفيه جيل من الشباب يريد لبلده أن يتطور وينمو سياسيا واجتماعيا، وفيه فقر وثراء وقضايا اجتماعية شائكة، ولديه نساء تعلمن واشتغلن فى مختلف المجالات وترغبن فى المزيد من المشاركة العامة، ولكنه أيضا مجتمع محافظ وذو طبيعة قبلية لا تزال راسخة حتى فى وجدان الأجيال الجديدة.
العلاقة مع السعودية لم تسوء فى الفترة الأخيرة، ولكنها لم تتطور، ولم تستجب بالقدر الكافى لظروف سياسية واقتصادية مختلفة ولم تخرج عن الإطار التقليدى الذى يحكمها منذ سنوات طويلة. ولأن البلدين ــ مصر والسعودية ــ هما عماد الاستقرار فى المنطقة فإن الشراكة بينهما ضرورية. ولكنها شراكة بحاجة إلى أن يعاد صياغتها على أسس جديدة، تشجع المزيد من الاستثمار والتجارة والعمل، وتفتح أبواب التفاهم والتعاون بين الشعبين، وتدفع لتغيير إيجابى يحتاجه الوطن العربى اليوم للخروج من محنته.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة