مريض بالبحث عن آليات جديدة ومبتكرة لنقل المعادل الشعوري لمواقف الناس السياسية والاجتماعية والإنسانية.
مثل الشهقة الأولى لجنين ولد للتو، مثل البسمة الأولى، الخطوة الأولى، اليوم الأول في المدرسة، والقبلة الأولى..... مثلها جميعًا يكون المقال الأول في صحيفة جديدة، وهذا هو إحساسي- مدهش ومربك- وأنا أخط هذه الكلمات، وأبدأ رحلتي مع موقع (بوابة العين) الإلكترونية، فقد شرفني الأستاذ عمار بكار بأن أكون من أوائل المشاركين في عبور هذه البوابة.
بالمناسبة، أنا كاتب ساخر ، أقصد أنني كاتب جاد، بل مطلق الجدية، لكنني استخدم السخرية كأسلوب، مجرد أسلوب، لإيصال الفكرة إلى القارئ بأقل قدر ممكن من التعقيد، وأكبر قدر ممكن من البساطة، مستهديًا بقول أوسكار وايلد: "إذا أردت قول الحقيقة للناس فاجعلهم يضحكون، وإلا سيقتلونك".
أنا لا أمتلك الحقيقة، فهي موزعة على الجميع ، ولا أحد منا محق تمامًا، لكنني أعتقد أن مواجهة الناس بأخطائهم وخطاياهم، هي أحد أهداف الساخر الجاد، ولعل البعض لا يدرك حجم الأخطاء التي يمارسها يوميًّا، فيضحك حينما نسلط عليها الضوء، ويشرع بالتفكير في التخلص منها، وهذا هو المطلوب تمامًا.
كل زاوية ساخرة في فضاء العالم العربي الإعلامي اعتبرها انتصارًا للفرح ضد التجهم، وللحيوية ضد الجمود، وللنور ضد القتامة، واعتبر كل ساخر في العالم هو رفيقي في مليشيا الساخرين العالمية التي تحمل القلم (أو الكيبورد) وتقاتل به جيوش الظلام وسادة التجهيل والسحر والأسود.
أما الكاتب الساخر فهو مريض على الأغلب بالتمرد الدائم على الواقع المعيوش، مريض بالتمرد على البداهات التقليدية، مريض يتأوه ويتنهد ويتعذب، فتخرج أناته على شكل خليط سخري عجيب وفوضوي ... من السخرية والمرارة والمقاومة والعبث والعدمية أحيانًا.
مريض بالبحث عن آليات جديدة ومبتكرة لنقل المعادل الشعوري لمواقف الناس السياسية والاجتماعية والانسانية.
الكاتب الساخر مريض ..أعترف بذلك!!
لكنه طبيب أيضًا .....طبيب لا يعالج ولا يشفي، لكنه يشخص ويوثق لمجتمعه... يشخص عيوب السلطات أمام الناس، ويفقع بالونات البروبوغندا، ويبصق على الهالات المزيفة التي يضعها الكبار حول أنفسهم.
لكن الساخر لا يمتلك حلولًا جذرية لمشاكلنا.. أعترف.
نحن لا نملك حلولًا، فالحل بين أيدي الناس، وينبغي أن يتأتى من خلال الشعب ومنظماته المدنية وأحزابه وقواه الفاعلة، فلسنا من المصلحين الاجتماعيين ولا قادة فكر وسياسة واقتصاد.
ما نحن إلا أناس يرتضون على أنفسهم حمل شعلة التمرد والثورة حين تعجز مكونات المجتمع المدني عن حملها، ونظل نحمل جمرها بين أيدينا حتى نجد من يوقد هذه النار ، ومن يقوم بعملية التغيير .
هذا يجعلنا ثوارًا إنقلابيين دون أن نلبس الكاكي أو نحمل السلاح أو نحاصر القصر الرئاسي بالمدرعات.
إذا عدنا لأول التاريخ البشري، فقد قام أجداد الساخرين الأوائل باللجوء مع الآخرين من بني جلدتهم المرعوبين إلى الكهوف خوفًا من الحيوانات المفترسة .. لكنهم لم يكتفوا هناك بمجرد الجلوس وممارسة الجنس ولطم الوجوه، بل قاموا برسم الحيوانات المفترسة والكبيرة على جدران الكهوف بالحجارة الطباشيرية، ثم رسموا أنفسهم وهم يعتلونها ويقتلونها، وبذلك كسروا عقدة الخوف الأولى عند البشر الأوائل، فقام البشر بتطوير أدواتهم وشحذوا الحجارة وعلقوها على رؤوس الأغصان الجافة وصنعوا الرماح الأولى، وواجهوا الحيوانات المفترسة وقتلوها وأكلوها، ثم دجنوها واستنسلوها وركبوها.
وليس آخرًا
فلم ينهار سد مأرب فجأة، بل إن سوء الإدارة والفساد المتراكم في الدولة السبأية -آنذاك- أدى إلى تكاثر الفئران والجراذين تحت أساسات السد دون أن يقاومها أحد، فنخرته حتى انهار.
نحن نقوم بدب الصوت وتحذير الناس من الفساد وسوء الإدارة وعواقبهما الوخيمة على المجتمع .. التي ستؤدي في النهاية إلى انهيارنا جميعًا، وتحولنا إلى أشلاء في أرجاء الأرض بلا تاريخ ولا كرامة.
وإنها لقهقهة حتى النصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة