شبح العراق ما زال يخيّم على صناع السياسة الخارجية البريطانية
الإمبراطورية البريطانية، في أوجّها، كانت الكبرى في التاريخ، تسيطر على قرابة ربع المساحة الكلية لكوكب الأرض. خلال الحرب العالمية الثانية، كانت قيادة القاذفات البريطانية قادرة على توصيل 1000 طائرة فوق أي هدف. في عام 2015 عقب مناقشة برلمانية استمرت طيلة اليوم، صوّت نواب البرلمان البريطاني على ضرب "داعش" في سوريا، وسريعا أقلعت 4 طائرات لقصف البنية التحتية للنفط بالقرب من الرقة. بعد الضربات، أوضح وزير الدفاع مايكل فالون، أن "داعش" شهد "القوة الكاملة لسلاح الجو الملكي البريطاني".
كيف وصل الأمر إلى هذا؟
يبدو أن السياسة الخارجية البريطانية قد قلّصت طموحاتها، كما لم يحدث من قبل. وانخفض سلكها الدبلوماسي الشهير إلى حد كبير. ومؤخرا أشارت المستشارة السابقة لوزير الخارجية السابق ويليام هيغ، حاليا البارونة أرمينكا هيليتش إلى أن ميزانية المساعدات الخارجية "تحجم" الآن ميزانية وزارة الخارجية، التي تضم عددًا أقل من الموظفين من "مجلس مدينة شيفيلد"، وميزانية إجمالية قدرها 0.2% من الإنفاق العام.
قرار قصف "داعش" في سوريا، وامتداد الحملة الحالية عبر الحدود إلى العراق، يقول الكثير عن أزمة الهوية الحالية في بريطانيا، عندما يتعلق الأمر بسياستها الخارجية. وأظهر ضجرًا عميقًا من الحرب من السكان الذين اتصلوا بنوابهم، وفي استطلاعات الرأي، وتشككًا بشأن مزاعم الاستخبارات، لا سيما بيان رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بأن هناك 70 ألفًا من قوات المعارضة السورية "المعتدلة"، فضلا عن الاعتقاد أن خيرًا قليلا يمكن أن يأتي من ورائه.
في أغسطس 2013، اقترح رئيس الوزراء وخسر تصويتًا على قصف قوات الأسد بعد تقارير عن استخدام الأسلحة الكيميائية. هذه المرة شبح تهديد "داعش"، الذي يأتي بعد وقت قصير من هجمات باريس، عنى أن الحكومة فازت بيسر وشرع القصف. ولكن مع خطوط النقاش التي تجادل بحماس، من المرجح أن تكون الحملة البريطانية متجنبة المخاطرة إلى أبعد حد، تعي أن أي وفيات مدنية يمكن أن تجعلها عرضة لانتقادات باعتبارها فشلا، وتشجع في واقع الأمر تجنيد "داعش".
كثير من الجدل حول التدخل في سوريا، يكمن وراءه ظل غزو العراق عام 2003. هذا على الرغم من أن قرار عام 2003، يسمح للقوات البرية بأن تشارك في الغزو وإسقاط نظام صدام حسين، مقارنة بهجمات محدودة في الوقت الراهن على أهداف "داعش". صدى العراق يتردد بقوة في بريطانيا لعدد من الأسباب. أكثرها تأثيرًا، هو الشعور بأن الرأي العام البريطاني غُشّ أو خُدع في الذهاب إلى الحرب، وأُقنع بمزاعم أن العراق قد يهاجم المصالح البريطانية في غضون 45 دقيقة بـ"أسلحة الدمار الشامل"، وأُقنعوا أيضا برواية مستقبل ورديّ وسعيد للعراق عقب انتهاء حكم صدام حسين.
لا شيء من هذا أثبت أن الأمر كذلك.
عوضًا عن ذلك لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل، وتبين أن مزاعم الاستخبارات التي تداولها بشكل كبير مسؤولو الإعلام الحكومي ومرحلة ما بعد الغزو اتسمت بفوضى دموية والانزلاق إلى حرب أهلية طائفية. لم يقتصر الأمر على الحرب التي على ما يبدو أُسيء الترويج لها، وأُسيأت إدارتها، كان هناك أيضا مساءلة قليلا للغاية لأولئك الذين اتخذوا هذه القرارات. وتبع الصراع عدد من التحقيقات والاستجوابات رفيعة المستوى، و"استجواب تشيلكوت" الأكثر شمولية، التي من المقرر أن تقدَّم نتائجها في صيف 2016 بعد سلسلة من التأجيلات.
مع وضع هذه الخلفية في الاعتبار، لا ينبغي أن يمثل سبب معاناة بريطانيا للعثور على رغبة شعبية لإعادة الاشتراك في الشرق الأوسط مفاجأة ضخمة. وبالنظر إلى إرث العراق، فوجئ الكثيرون برغبة رئيس الوزراء كاميرون في إشراك البلاد في تدخل ليبيا عام 2011. مجددًا حتى لو أن ترويج رواية الإطاحة بديكتاتور قد وُصم بالفوضى اللاحقة والحروب الأهلية، وجعل هؤلاء الذين يدافعون عن مفاهيم التدخل الليبرالي أو حماية مسؤولية أصواتًا قليلة. بريطانيا يجب أن تتجاوز آثار ماضيها في العراق وتضمن استعادة ثقة الشعب في نزاهة ومصداقية آلة سياستها الخارجية قبل أن تتمكن بالفعل من القتال في الشرق الأوسط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة