حدث استثنائى شهدته مصر هذا الأسبوع وشهده معها العالم، والذى جاء ليؤكد الريادة المصرية بصفتها العامة، والريادة الإفتائية على وجه الخصوص
حدث استثنائى شهدته مصر هذا الأسبوع وشهده معها العالم أجمع، والذى جاء ليؤكد الريادة المصرية بصفتها العامة، والريادة الإفتائية على وجه الخصوص، وهو الإعلان عن ميلاد الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، والذى يُعد خطوة جديدة فى ضبط صناعة الإفتاء فى إطار مواجهة الفكر بالفكر، ومعالجة الفكر السقيم بآخر صحيح ومعتدل، وكذا التفاعل مع قضايا الأمة الإسلامية بالداخل والخارج، ودفع كافة الشُّبه والأباطيل التى ألصقها مدعو التدين إلى الإسلام والمسلمين.
هذه الخطوة التى أتت من دار الإفتاء المصرية، كنتيجة لتوصيات المؤتمر العالمى للإفتاء الذى عُقد فى أغسطس الماضي، تؤكد عراقة تلك المؤسسة، التى تضرب بجذورها قرونًا عدة فى الماضى البعيد، بالرغم من الإعلان الرسمى عن إنشائها فى العام 1895م، والتى حاولت عبر تلك القرون بيان الأحكام الشرعية وصحيح الدين للأمة الإسلامية داخليًّا وخارجيًّا، وكانت قبلة الباحثين عن العلم الشرعى من كافة أرجاء الدنيا.
لذا لم يكن غريبًا ما حدث هذا الأسبوع من إجماع كاملٍ من كل الأعضاء المؤسِّسين الذين حضروا الجلسة الافتتاحية للإعلان عن تأسيس الأمانة العامة للإفتاء، ومباركة رئاسة مصر للهيئة واستضافتها لها على أرضها، ولم يكن غريبًا هذا التوافق التام بين كل الأعضاء على ما جاء فى لائحتها التنفيذية، مما يعكس ثقةً كبيرةً فى دار الإفتاء المصرية، وفى موروثها الفقهي، وخبراتها المتراكمة عبر حقب عديدة من الزمن، ويعكس رغبةً حثيثة من الأعضاء فى العمل لخدمة هذا الدين والدفاع عنه.
ولقد جاءت أهداف تلك الأمانة فى مجملها خدمة للدين والأمة الإسلامية فى شتى بقاع العالم، من خلال التنسيق بين دور الإفتاء والمؤسسات الإفتائية فى أنحاء العالم كافة لبناء منظومة إفتائية وسطية علمية منهجية تعمل على بناء استراتيجيات مشتركة بينها لطرح خطاب إفتائى علمى متصل بالأصل ومرتبط بالعصر؛ لمواجهة التطرف فى الفتوى.
كما أنها تدعِّم أيضًا التبادل المستمر للخبرات بين أعضائها، وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء والمفتين حول العال، وتقدم الدعم العلمى للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية فى هذه الدول، وتضع معايير لوظيفة الإفتاء وكيفية إصدار الفتاوى مما يسهم فى تعزيز التعاون المثمر بين دور وهيئات الإفتاء فى العالم بالوسائل الممكنة، وتقوم ببناء الكفاءات الإفتائية وتأهيلهم من خلال تراكم للخبرات المتنوعة للدول الأعضاء.
ولقد وضعت الأمانة العامة للإفتاء مجموعة من الآليات التى تحقق إستراتيجيتها المستقبلية، من خلال الكوادر العلمية المؤهَّلة التى تنتظم فى هيكل علمى وإدارى يحقق أهداف الأمانة، بالإضافة إلى هيئة بحثية متخصصة ومتنوعة فى شتى العلوم لدراسة وبحث القضايا المستجدة، بالإضافة إلى مؤتمر علمى سنوى يُعقد بصورة دورية لمناقشة كل ما استجد من القضايا الإسلامية، وكل هذا ينشر بإذن الله تعالى فى دورية علمية محكَّمة لعموم فائدتها، وغيرها من الآليات التى تحقق أهداف الأمانة.
ولقد اقتنع العالم واقتنعت مصر من قبله بأن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، وأن الفرقة والتحزب يجران العالم والبشرية إلى ويلات كثيرة، وأن القوة فى الاجتماع والتلاحم ووحدة الصف، سواء على المستوى الاقتصادى أو الاجتماعى أو العسكري، وأيضًا العلمي، ولقد أثبتت النظرية فعاليتها على كافة المستويات، وما نلحظه اليوم من تراجع لتنظيمات العنف والإرهاب أمام التحالفات العسكرية ليؤكد صدق هذه التجربة، وإيمانًا منا بأن التحرك فى جانب واحد فقط لا يكفى لوقف الزحف الإرهابى على بقاع العالم عامة ومنطقتنا بصورة خاصة كان لزامًا أن يسير بجانب هذا التحرك العسكرى تحركٌ فكريٌّ موازٍ، لقطع الطريق على تلك التنظيمات من الموارد البشرية التى تلتحق بها ظنًّا منهم أنهم بهذه الأفعال الإجرامية يخدمون الدين.
ووجود كِيانات فكرية ودينية تأخذ الصبغة العالمية - مثل الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم - مهمٌّ جدًّا فى هذه المرحلة، لبلورة موقف موحَّد ورؤية واضحة أمام تلك الظواهر الغريبة والوافدة على الدين الإسلامي، وللظهور بالمظهر اللائق أمام الآخر الذى يخلط بين ما هو معتدل وأصيل وبين ما هو شاذ ودخيل، بالإضافة إلى دراسة الظواهر الغريبة التى يؤدى فهمها بصورة خطأ إلى وقوع المسلمين فيما حذَّر منه الإسلام، وتجعل منهم مددًا لجماعات العنف وشوكةً وعثرةً فى طريق تقدم الأمم واستقرارها.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة