لشهور طويلة ظل قطاع كبير من الإعلام المصرى يتهم الحكومة البريطانية بأنها ارتمت فى أحضان جماعة الإخوان المسلمين.
لشهور طويلة ظل قطاع كبير من الإعلام المصرى يتهم الحكومة البريطانية بأنها ارتمت فى أحضان جماعة الإخوان المسلمين، وأن لندن صارت «عاصمة الخلافة المنتظرة». وعندما سقطت الطائرة الروسية فوق سيناء وسحبت بريطانيا سائحيها من سيناء ومنعت تحليق طيرانها فوق شرم الشيخ، تحدث نفس الإعلام عن «مؤامرة كبرى لتدمير السياحة وتركيع البلاد».
قبل يومين أصدرت بريطانيا تقريرا مهما للغاية عن جماعة الإخوان وصفه هذا القطاع من الإعلام المصرى بأنه ضربة قاصمة للإخوان. وبعد أيام أو أسابيع قليلة فأغلب الظن أن الطيران البريطانى سوف يحلق مرة أخرى فوق سيناء والسائحون الإنجليز سوف يعودون إلى شرم الشيخ،
السؤال البسيط والبديهى هو: ماذا سيقول هذا الإعلام الغوغائى فى هذه الحالة، هل يقول إنه كان مخطئا أم أنه لم تكن هناك مؤامرة، وماذا سيكون رد فعل القارئ المصرى البسيط وكيف سيصدق هذا الإعلام مرة أخرى؟!!!!
مشكلة هذا النوع من الإعلام أنه شديد السطحية ويخدم التآمر الحقيقى ضد مصر والأخطر أنه يسطح ويشوه وعى الكثير من المواطنين ويتركهم فريسة لتصديق أى شىء غريب.
عندما تتعطل عقولنا فإننا نكون جاهزين لتصديق أى شىء مهما كان خياليا، وهكذا يقوم هذا الإعلام بتخريب حقيقى وممنهج لعقول كثير من المواطنين إلا من نجا بأعجوبة.
بريطانيا ليست دولة من الملائكة، ومن حقها بالطبع حماية سائحيها، وتقديرى أنها تصرفت بعنجهية وجلافة فى طريقة الإعلان عن العمل الإرهابى ضد الطائرة الروسية، وكذلك فى طريقة سحب سائحيها من شرم الشيخ، فى وقت كان الرئيس عبدالفتاح السيسى ضيفا على لندن للمرة الأولى.
والواقع يقول إن السياسة البريطانية ومنذ العهد الاستعمارى تتبنى الإمساك بخيوط مع كل الأطراف المتناقضة فربما تستفيد منها لاحقا، وهذا ما يفسر لنا الإبقاء على خيوط مع جماعة الإخوان.
التقرير الأخير عن الجماعة كان مفاجئا لكثيرين لأنهم اعتقدوا أنه سيأتى مائعا، ثم وجدنا أنه يتبنى لهجة قاسية إلى حد ما ضد الإخوان، وربطهم بالعنف نسبيا، خصوصا فيما يتعلق بالأفكار، وهذا هو التطور الأكثر أهمية. لكن التقرير فى المقابل لم يذهب إلى وصف الجماعة بالإرهابية أو يدينها بالمطلق.
هذا التقرير يعتبر تطورا فى الموقف البريطانى إلى حد ما ويستجيب بنسبة معقولة للمطالب المصرية بإدانة أفكار الجماعة، لكن بعضا من وسائل الإعلام المصرية قرأت التقرير بما تتمناه وليس باللغة البريطانية القانونية والحذرة التى لا تقطع خيطا مع طرف مهما بلغ إرهابه أو إجرامه.
مشكلة بعض إعلامنا أنه لا يترك لنفسه خط رجعة، هو متطرف فى كل الأحوال، ينظر مثلا إلى بريطانيا باعتبارها تتآمر على مصر وصديقة للإخوان، أو صديقة لنا وعدوة للإخوان. والحقيقة بين الحالتين طبقا لما يخدم السياسة البريطانية التى قد تتصادم كثيرا مع مصالحنا حيث تعتقد لندن وواشنطن وبعض العواصم أنه لابد من إشراك الإخوان فى العملية السياسة بصورة أو بأخرى.
المطلوب من إعلامنا ألا يهون أو يهول، حتى لا يصيب الناس بالتخبط والإرباك والتشوش، خصوصا أنه ينتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من دون أن يرمش له جفن، يقول الفكرة وعكسها فى أقل من شهر، ومن لا يصدق عليه أن يعود إلى بعض ما قاله هذا الإعلام عن بريطانيا وأمريكا والسعودية، والنتيجة أن الثقة فى إعلامنا تهتز، ولا يأخذه كثيرون على محمل الجد.
السياسة ليست أبيض أو أسود فى معظم الأحيان بل هى شديدة الرمادية، وما هو صحيح اليوم قد يصبح خاطئا غدا.
المؤامرة موجودة فى أحيان كثيرة، ومعظم الغرب لم يكن سعيدا بما حدث فى ٣٠ يونيه، لكن علاقات الدول لا تتم بالطريقة التى يصورها بعض إعلامنا، ثم إن المؤامرة لا تنجح إذا كنا أقوياء وعاقلين.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة