دخلت مصر عام ٢٠١٥ بتطلعات سياسية داخلية وخارجية مرتفعة، وبقضايا اعتقد كثيرون أن العام الجديد سيكون حاسما فى وضع إجابات محددة لها
دخلت مصر عام ٢٠١٥ بتطلعات سياسية داخلية وخارجية مرتفعة، وبقضايا اعتقد كثيرون أن العام الجديد سيكون حاسما فى وضع إجابات محددة لها. كان الاعتقاد السائد أن عام ٢٠١٥ سيضع حلا لمشكلات كثيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأن الرئيس سيكون أكثر تحكما فى القيادة بعد أن احتاج إلى فترة «لإعادة ترتيب البيت من الداخل»، كما أن الجميع استعد للانتخابات البرلمانية التى كان من المقرر أن تجرى فى مارس لتكتمل خارطة الطريق التى أعلنت فى يوليو ٢٠١٣ بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم.
فى السطور التالية أراجع أداء الفاعلين الرسميين وسياستهم فى المشهد المصرى خلال العام الذى سنودعه بعد أيام قلائل:
أولا: مؤسسات العدالة: لم تطرأ تغيرات كبيرة على أداء مؤسسات العدالة فى مصر خلال هذا العام، فلم يتغير أداء مؤسسات القضاء، النيابة العامة، الداخلية عن عام ٢٠١٤ كثيرا، فقد استمرت تصريحات بعض القضاة للإعلام بشكل كشف عدم حيادية بعضهم، مع ملاحظة أن التجاوزات التى نسبت إلى الداخلية تزايد عددها، مع تزايد حوادث مقتل المساجين والمحبوسين احتياطيا داخل أماكن احتجازهم، وتزايد حالات الاختفاء القسرى، مع تزايد الأخبار المتواترة الموثقة عن انتهاك حقوق المساجين وخصوصا فى السجون «شديدة الحراسة»، وهو ما أعاد سريعا للأذهان سيناريوهات ما قبل ٢٠١١. شهد هذا العام أيضا مواجهات غير تقليدية بين أمناء الشرطة والقيادات وسط محاولات احتواء نجحت فى الأجل القصير على الأقل لكن مصيرها على الأجل الطويل مازال محطا للشك!
ثانيا: المؤسسات التنفيذية: لم تطرأ كذلك تغيرات كبيرة على أداء المؤسسات التنفيذية وخصوصا مؤسستى الرئاسة ومجلس الوزراء وأجهزة الحكم المحلى، وباستثناء الإعلان فى مطلع العام أن الرئيس سيلقى خطابا للشعب شهريا أو بشكل دورى أقصر، وهو ما لم يتم الالتزام به إلى حد بعيد، فقد حافظ الرئيس فى مفردات خطابه على التأكيد على ضرورة «وحدة المصريين» فى مواجهة المؤامرات التى تحاك للبلاد دون تحديد أى آليات أو اتهام أطراف بعينها، كذلك شهد هذا العام خروجا للرئيس عن الهدوء المعتاد فى الخطاب الشهير الذى انتقد فيه بعض الإعلاميين فى نوفمبر الماضى وكذلك حرصه الواضح على توجيه عدة خطابات للشعب فى مناسبات شرطية وعسكرية. ورغم التغيرات التى طرأت على مجلس الوزراء مع استقالة حكومة محلب وتعيين حكومة شريف إسماعيل، فإن أداء المجلس وتصريحات بعض وزرائه شديدة العمومية وشديدة الصلف أحيانا لم تتغير، وكالعادة دخل بعض الوزراء وغادر البعض الآخر دون أن نعلم لماذا ووفقا لأى معايير.
يلاحظ أيضا فى هذا السياق أن أداء الأجهزة المحلية والمحافظات لم يكن أحسن حالا من السلطة التنفيذية العليا، فقد كشفت أزمة الأمطار فى القاهرة والإسكندرية وبعض مدن الصعيد والبحر الأحمر، فضلا عن بعض حوادث البلطجة فى الجيزة أن معظم المحافظين كما كانوا دائما لا يتحركون سوى بعد وقوع الكارثة! هنا قطعا لابد أن نذكر أن ضجيج المشروعات الكبرى التى تم الإعلان عنها فى المؤتمر الاقتصادى فى مارس الماضى، وافتتاح مشروع «قناة السويس الجديدة» لم يُوازِه أى طحين يذكر على الأقل خلال هذا العام.
●●●
ثالثا: المؤسسة العسكرية: فقد استمرت مواجهتها الدامية فى سيناء ضد محاولات الجماعات الإرهابية المسلحة للسيطرة على شبه الجزيرة؛ بتكثيف عملياتها ضد المنشآت والأفراد العسكرية والمدنية وهو ما نتج عنه عدة حملات عسكرية على معاقل للإرهابيين. كذلك استمرت الأنشطة الاقتصادية والتنموية (وخصوصا مشروعات البنية التحتية) للمؤسسة العسكرية، مع تدخل المؤسسة «لضبط الأسعار».
رابعا: على صعيد محاربة الفساد: فلم يحدث تطور كبير فى هذا الملف، وعلى الرغم من أن أحد الوزراء قد تم بالفعل اتهامه بالفساد وإقالته من منصبه وإحالته ــ من قبل النيابة ــ للتحقيق فإن تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات برئاسة المستشار هشام جنينة بقيت بلا رد فعل للتحقيق فيما ورد بها، وهو ما دفع المستشار للتعليق أكثر من مرة لوسائل الإعلام عن أن خطر فساد المؤسسات فى مصر أكبر بكثير من خطر فساد الأفراد داعيا إلى إصلاح شامل للمؤسسات الحكومية، هذا قطعا فضلا عن قوانين التصالح مع الفاسدين وجدواها واحترامها لحقوق المجتمع.
خامسا: إصلاح المؤسسات الحكومية: فقد شهد هذا العام أيضا تطورا مهما بإصدار رئيس الجمهورية لقانون الخدمة المدنية فى مارس الماضى، وهو القانون الذى بدوره أثار جدلا واسعا ودفع وزارة التخطيط لإعلانها الاستعداد لفتح حوار بشأن القانون، وفى نوفمبر الماضى أعلنت وزارة التخطيط على لسان مساعد الوزير للتطوير المؤسسى أن المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء قد أقر لائحة القانون بالفعل بعد شهور من الحوار والأخذ بـ٩٠٪ من الاقتراحات، وعلى الرغم من أنه من المبكر الآن الحكم بفاعلية القانون من عدمه، فإنه يظل فى تقديرى خطوة مهمة ولا غنى عنها لإصلاح الجهاز الإدارى فى مصر وهو ما ستكشف عنه الشهور القادمة.
●●●
سادسا: المؤسسة التشريعية: فبعد تأجيلات عام ٢٠١٤ وحكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض مواد قانون تقسيم الدوائر فى عام ٢٠١٥، فقد جرت الانتخابات أخيرا فى نهاية العام وسط إقبال ضعيف للغاية من المواطنين وخصوصا فى الأماكن الحضرية والمدن الكبرى، وانتهى كما كان متوقعا ببرلمان معظم مقاعده للمستقلين وسط ضعف شديد فى تمثيل الأحزاب السياسية بعد مقاطعة بعض هذه الأخيرة ومشاركة ضعيفة للبعض الآخر، وأداء فقير للبعض الثالث، وحتى كتابة هذه السطور لم يكن رئيس الجمهورية قد أصدر قرارا بتعيين ما يقرب من ٢٧ نائبا بحسب حقه الدستورى، ومازالت التوقعات الأبرز تصب فى اتجاه أن هذا البرلمان قصير العمر وهدفه الرئيسى هو زيادة صلاحيات الرئيس، وربما مدد الرئاسة وتمرير التشريعات بقوانين التى صدرت فى غيبته!
سابعا: الحريات العامة: فقد استمر تراجعها على مستويات ومؤشرات عدة وثقت لها عدة تقارير دولية، ورفضت الدولة هذه التقارير الأخيرة دون أن ترد موضوعيا على ما ورد بها من تفاصيل هذه الانتهاكات! وبغض النظر عن هذا الجدل التقليدى وباستثناء بعض اللمحات الإيجابية مثل الإفراج عن بعض المعتقلين فى الأعياد والسماح أخيرا بالزيارة فى سجن «العقرب»، فإنه لا يخفى على أحد أن الحريات العامة شهدت تراجعا مستمرا فى ٢٠١٥ وخصوصا مع صدور قانون «مكافحة الإرهاب» الذى ساعد على تغول «تقدير» السلطات لمعانى الأمن القومى واختراقها وقيد حريات الإعلام فى النشر وعرض الكثير من الباحثين للحبس والسجن أو على أقل تقدير قيد حرياتهم فى القيام ببحوث ميدانية استقصائية، وهو نوع معتبر من البحوث لا يزال ينظر إليه المسئولون بريبة شديدة على الرغم من أهميته.
ثامنا: السياسة الخارجية المصرية: وبعد أن حققت بعض النجاحات فى ٢٠١٤ أهمها إعادة الاعتراف بالنظام السياسى المصرى الجديد فى المحافل الدولية والإقليمية، فإن عام ٢٠١٥ قد شهد تذبذبا بين النجاح والتعثر، فقد واصلت مصر نجاحاتها فى الحفاظ على الشريك الأمريكى والاستئناف التام للمساعدات الأمريكية على المستويين الاقتصادى والعسكرى وهو ما تم تكليله بالحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى الذى تم استئنافه فى القاهرة أغسطس الماضى بعد توقف دام ست سنوات، كما استمرت مصر فى تنويع مصادر تسليحها بعقد صفقات سلاح مع كل من روسيا وفرنسا.
وفى المقابل فقد ظهرت الإخفاقات مستمرة فى ملف سد النهضة الإثيوبى دون أى تقدم يذكر على الرغم من توقيع إعلان المبادئ بخصوص السد فى مارس الماضى، وكذلك فقد استمر تراجع الدور الإقليمى المصرى لصالح الحليف السعودى الذى بدا أقوى وأبرز على الساحة العربية وخصوصا بعد الإعلان الأخير عن تشكيل «تحالف عسكرى إسلامى لمواجهة الإرهاب» بدا على الأقل ولو مؤقتا باعتباره إعلان تجميد الإعلان المسبق الذى قادته مصر لتشكيل «جيش عربى موحد»! كذلك فمن الواضح أن التخبط مازال يضرب صانع القرار بخصوص طبيعة العلاقات مع تركيا وقطر على هامش الإعلان السعودى المفاجئ!
●●●
قطعا هناك أحداث وتقييمات كثيرة لم تتمكن هذه المساحة المحدودة من تناولها وخصوصا ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية منها لعدم تخصص كاتب هذه السطور، وكذلك بخصوص علاقة الدولة مع جماعة الإخوان خصوصا والإسلاميين عموما لضيق السطور، لكن وبشكل عام يمكن القول إن السياسة الرسمية المصرية فى عام ٢٠١٥ اتسمت بالرتابة والبطء وانكسار التوقعات المرتفعة الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بها، فهل تتبدل الأوضاع للأفضل فى عام ٢٠١٦؟ وهل هناك فاعلون آخرون غير رسميين يمكن التعويل عليهم مع مطلع العام الجديد؟ هذا ما ستحاول المقالات المقبلة تناوله.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة