دخل جواهرجى مسيحى على مكتبة أحد التكفيريين فجذب انتباهه عنوان كتاب غريب «كفر والدَى الرسول صلى الله عليه وسلم»
دخل جواهرجى مسيحى على مكتبة أحد التكفيريين فجذب انتباهه عنوان كتاب غريب «كفر والدَى الرسول صلى الله عليه وسلم» توقف الجواهرجى عند الكتاب قائلا: «هل يصدق ِأحد أن نبيا عظيما مثل محمد والداه كافران».. لم يدرك الرجل أن النفوس المظلمة والمملوءة بالكراهية والسواد يمكن أن تفهم هذه القضية البسيطة كما فهمها.
تأملت القصة فتذكرت داعية فى السبعينيات كان من دعاة التكفير وكان يصر إصرارا عجيبا على طرح هذا الموضوع والتأكيد عليه وسرد بعض الأحاديث التى أجزم بعدم صحتها.
وكنت أتضايق كثيرا لإصراره على تكفير والدى الرسول «ص» كمدخل لما يريده من تكفير الآخرين من الحكام وغيرهم.. وكنت أحدث نفسى: لماذا هذه الجفوة والغلظة والقسوة التى تتملك هذه القلوب فتتجرأ على هذا الأمر أو تدخل فيه من الأصل أو تثيره على العوام والشباب غض القلوب برىء النفوس.. وقد حاول هذا الرجل نشر فكر التكفير بضراوة ولكننا وقفنا ضده.. وقد ساعدنا وقتها رجال صادقون فى التصدى له ولأشباهه.. ثم انضم هذا الرجل إلى«جهيمان» الذى احتل المسجد الحرام ظنا منه أنه المهدى المنتظر وأنه سيخسف بالجيوش التى تأتى لتخرجه ولكن القوات من كل حدب وصوب دخلت المسجد وقبضت على «جهيمان» وعلى بطل قصتنا وأعدمت الاثنين.
حزنت لمصير الرجل ولكنى قلت لنفسى لقد أورده المهالك قلبه الأسود وليس عقله.. فقد كان ذكيا ولكنه كان جافيا غليظا فظا.. وقد وجدت أن كل من تحدث فى هذه القضية عن والدى الرسول بسوء أصابته لعنات السماء.
إن رسالة الإسلام رسالة رحمة ورسوله رسول مودة وألفة وأعظم ما مدح به قوله تعالى «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَهِ لِنْتَ لَهُمْ» وقد كان «ص» يكره أن يواجه أحدا بما يكرهه أو يفضح إنسانا فكيف للبعض أن يواجه الرسول بما يكره ويسىء إليه.
وقد خلصت أن طهارة الباطن أهم من الظاهر ولئن تكون صاحب قلب طيب ودود رحيم عفو كريم أفضل من أن تكون صاحب ذكاء يحوطه قلب فظ غليظ جاف مثل الحجارة.. فقد كان لأبى لهب وأبى جهل وأمثالهم ذكاء نادر يختلط بهوى النفس وكبرها وصلفها.
لقد تأملت قصة الرجل وقارنت جفوته وأمثاله بالشاعر المسيحى الشامى وهو يمدح الرسول «ص» بقوله:
أنا ما مدحت محمدا بقصائدى **** لكن مدحت قصائدى بمحمـد
وهو الذى يكتب كل عام فى ذكرى مولده قصيدة فى مدحه «ص» فقد شعر بقلبه المرهف الجميل بالرسول وعاش بوجدانه مع رسالته.. بل وزوج شقيقته اللبنانية إلى تاجر مسلم كريم خلوق وقال لها: أنت أغلى ما عندى ولم أجد أفضل من هذا الرجل ليكون أمينا عليك وكريما بك ومستحقا لك فقبلته وتزوجته.
وهذا الشاعر المسيحى الشامى جاك شماس الذى أعجبه إكرام النبى لمسيحى العرب فقال:
أغدقت للعرب النصـــارى عزة **** ومكانــة ترقــى لشــم معان
وزرعت فى قلب الرعية حكمة **** شماء تنطق فى ندى الوجدان
ثم يقول:
وإذا قرأتم للـرسول تحيـــة **** فلتقــرأوه تحية النصرانى
مهما مدحتك يا رسول فإنكم **** فوق المديح وفوق كل بيان
أما الشاعر السورى إلياس قنصل الذى كان يشارك المسلمين فى كل احتفالاتهم الدينية ببعض قصائدة فقد مدح الرسول «ص» حاكيا ذكرياته فقال: «قرأت سيرة النبى الهاشمى فلم أستطع أن أنام حتى كتبت هذه القصيدة ومنها:
إنى ذكرتك يا محمد ناشرا **** روح الأخوة فى بنى الإنسان
يعلو بلال الصب أشرف كعبة **** ليذيـع منها أشرف الألحان
حق المواهب أن يقدر أهلها ***** لا فرق بين الأجناس والألوان
أما الشاعر المسيحى ميخائيل وردى فمدح الرسول «ص» بقصيدة منها:
تآخوا كما قال المسيح وأحمد **** فما الحب إلا ثروة لا تحدد.
كانت القلوب غضة طرية محبة متوادة.. يكتب الشاعر المسيحى عن محمد «صلى الله عليه وسلم» ويكتب شعراء المسلمين عن عيسى عليه السلام.. بل إن أعظم القصائد التى كتبت عن المسيح عليه السلام كتبها مسلمون مثل شوقى وحافظ وأحمد نسيم ومحمود حسن إسماعيل وأفضل من كتب عنه مسلمون مثل العقاد وعبدالحميد جودة السحار وخالد محمد خالد.
بل إن بعض الشعراء مثل ميشيل أمين من فرط صداقته ومحبته لرسول الإسلام وأصدقائه المسلمين قال:
يا سائلى أى المذاهب مذهبى **** إنى مسيحــى وإنى مســـلم
واليوم أطلت الطائفية والعرقية والمذهبية والتكفير الدينى والتخوين الوطنى على بلاد العرب والمسلمين.. فالذى يخالفك الرأى الدينى أو السياسى هو كافر أو خائن.. فلا الشيعى يقبل السنى.. ولا السنى المصرى يقبل السنى القطرى أو التركى.. ولا السنى اليمنى من أتباع هادى يقبل السنى اليمنى من أتباع صالح.. ولا السنى المصرى من أتباع الإخوان يقبل السنى من أنصار السيسى.. ولا القاعدة تقبل داعش.. ولا القاعدة وداعش يقبلان أحدا.. ولا المسيحى الأرثوذكسى يقبل البروتستانى أو الكاثوليكى.. ولا السنى أو الشيعى من أتباع بشار يقبل السنى أو الشيعى من خصومه.. وهكذا تدور دورة البغضاء والكراهية.
وأغرب ما فى الأمر كله أن تجد حملات منظمة فى بعض الصحف المصرية وأعتقد أنها مدفوعة بدوافع أيدلوجية خارجية تشتم وتطعن فى عدد معروف من الصحابة على رأسهم أم المؤمنين «عائشة» ومعاوية بن أبى سفيان وأبى هريرة وعثمان بن عفان وأحيانا الشيخان أبى بكر وعمر.
ولا أدرى أى حكمة تجعل البعض يشتم هؤلاء الصحابة الأجلاء.. فإذا غلبتنى الحيرة تذكرت قصيدة الشاعر المسيحى السورى جاك شماس والذى حصل على الجائزة الأولى فى الإمارات فى مدح الرسول بقصيدة «البردة».
إنى مسيحى أجل محمدا **** وأجل ضادا مهدها الإسلام
وأجل أصحاب الرسول وأهله **** حيث الصحابة موقف إمام
والفرق بين هؤلاء وهؤلاء هو طهارة القلوب أو خبثها.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة