تشكلت لدى قناعة ازدادت رسوخا عبر الأعوام الماضية مفادها أن التغيير الجذرى والحلول الحاسمة والمعارك الصفرية كلها مرادفات لمفهوم (الطفرة)
تشكلت لدى قناعة ازدادت رسوخا عبر الأعوام الماضية مفادها أن التغيير الجذرى والحلول الحاسمة والمعارك الصفرية كلها مرادفات لمفهوم (الطفرة)، تُحدث فى بدايتها صخبا عاليا يخفت بعد ذلك تدريجيا بنفس خفوت أثر حجر يقبع فى أعماق النهر الآسن بعد محاولة عابثة لتحريك سطحه الراكد... أما تغيير مجرى النهر ذاته فبالتأكيد شىء مختلف تماما!
لست أرى الذى ألقى بالحجر مخطئا ولا عابثا، بل هو عبر عن رغبة حقيقية فى التغيير، وتلاه ثان وثالث ثم آلاف فملايين كلهم يلقى بكل حجر تطاله يده دون اتفاق مسبق ليصادف نفس صفحة الماء الساكن... ربما اضطرب النهر من المنبع إلى المصب، وربما تعانقت على سطحه أمواج لم ير لها مثيلا من قبل... لكنها فى النهاية ــ وإن كانت ثائرة ــ ظلت أمواجا لم تصل إلى شكل التيار المستمر القادر على تحويل المسار.
اعتدنا على جدل يصاحب الحديث عن الخامس والعشرين من يناير كلما اقتربت ذكراه على مدى السنوات الخمس التى تلت الثورة، ما بين انقسام على طريقة التغيير ورفض متبادل بين البرلمان والميدان فى الذكرى الأولى، ثم حشود متضادة من معارضى التيار الإسلامى ومؤيديه إبان حكم الإخوان فى الذكرى الثانية، ثم ميدان امتلأ بمن أبغض يناير وثورتها من أعماق قلبه فى الذكرى الثالثة ثم زيادة فى مساحة العداء والتحريض على كل ما تمثله ثورة يناير ورموزها فى الذكرى الرابعة...الشىء الوحيد المشترك ربما هو التخوين! لم تخل أجواؤنا يوما منه.
وإن تعجب، فعجبٌ وصفهم على أغلب الشاشات وصفحات الجرائد والمواقع الالكترونية لثورة يناير بالمؤامرة وهى التى قد ذُكرت بالثناء والتقدير نصا مباشرا واضحا فى الدستور المصرى المعدل الذى تلقاه بالقبول ملايين المصريين كما تؤكد الرواية الرسمية، والدستور كما نعلم عقد اجتماعى ينظم علاقات المصريين البينية ويضبط ايقاع تفاعلاتها... وبغض النظر عمن ارتبطت أسماؤهم بأحداثها، فلم تكن ثورة يناير إلا تجسيدا للحد الأدنى من تلبية حاجات الإنسان المصرى كما حاول التعبير عنها المشرع المصرى المُنتخب فى العام 2012 ثم المُعين فى العام 2014.. والتفرقة هنا مقصودة وتحمل معانى كثيرة!
تفصيل ما حدث فى يناير وما تلاه وما ترتب عليه متشعب متشابك، تختلط فيه النوايا الصادقة بالانفعالات الجارفة وتضيق فيه المسافة بين المؤامرة وسوء التخطيط وأمور أخرى... فلننح ذلك كله جانبا ولنسأل السؤال بشكل مختلف، هل استيقظ المصريون يوما قبل خمسة أعوام من الآن وقد قرروا أن يفتحوا على أنفسهم أبواب الجحيم دفعة واحدة دون سبب واحد منطقي؟ هل عانى المصريون من السأم بعد عصور من الرفاهية وانتشار العدل وارتفاع مستوى التعليم فقرروا تمردا على أوضاعهم من باب كسر الرتابة ودفع الملل؟
قبل شيطنة ذكرى يوم سيمر كما مر من قبل بغير تغيير يُذكر وقبل تجييش المخدوعين والمساكين ضد قيم ترفعهم ولا تخفضهم، أعلم أن القاعدة المنطقية البسيطة تقول: ارتكب نفس الأخطاء ولسوف تصل إلى نفس النتائج.... هذا إن لم يبغتك القدر بنتائج أخرى أشد قسوة ومرارة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة