فلسطين 2015.. انسداد أفق يفجّر انتفاضة شعبية
الانضمام لـ"الجنائية" محطة مضيئة لمحاسبة إسرائيل
مع نهاية عام 2015 يعاين الفلسطينيون الصورة القاتمة للأحداث التي ألقت بظلالها على واقعهم، من استمرار الانقسام الداخلي
مع نهاية عام 2015 يعاين الفلسطينيون الصورة القاتمة للأحداث التي ألقت بظلالها على واقعهم، من استمرار الانقسام الداخلي، إلى تصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين، التي وصلت ذروتها بحرق عائلة دوابشة في نابلس، وتزايد وتيرة اقتحام المسجد الأقصى ووضع خطط عملية لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، ما قاد إلى اندلاع "انتفاضة شعبية"، وسط كل ذلك تبدو محطات مضيئة تتمثل في انتزاع اعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، والانضمام لمحكمة الجنايات الدولية.
خطة الهيمنة على الأقصى
مؤشرات سخونة الأوضاع بدأت باكرًا مع أول أيام 2015، بما كشفته مصادر سياسية إسرائيلية عن خطة شاملة عُرضت على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لإطباق السيطرة على المسجد الأقصى في مدينة القدس، وهي الخطة التي بدأ تطبيقها من خلال زيادة وتيرة التهويد والحفريات، والاقتحامات من المستوطنين والمسؤولين الإسرائيليين والتي وصلت ذروتها في شهر سبتمبر الماضي، ما كان سبباً في إطلاق شرارة ما بات يعرف بهبّة أو انتفاضة القدس، التي تفجّرت مطلع أكتوبر.
تبدد الآمال بإتمام المصالحة
وتبددت بشكل مبكر الآمال بالتطبيق الشامل للمصالحة الوطنية الداخلية، فبقيت حكومة التوافق التي شكلت العام الماضي، غير قادرة على ممارسة مهامها بشكل فعلي في قطاع غزة، في ظل وجود حكومة ظل تديرها حركة "حماس" وسط اتهامات متبادلة حول المسؤولية عن ذلك، وحول التنكر لبعض بنود اتفاق المصالحة، ومن ذلك الاعتراف بحوالي 40 ألف موظف عملوا في حكومة حماس السابقة ورفضت الحكومة الجديدة دمجهم في الهيكل الوظيفي الرسمي.
وفي مؤشر على انسداد الأفق في هذا المجال، أعلن نواب حماس في غزة، في الثاني عشر من إبريل/ نيسان، استئناف عقد جلسات المجلس التشريعي بشكل منفرد، بعد تعليقه سبعة أشهر من بعد توقيع اتفاق الشاطئ، على أمل أن يدعى البرلمان لجلسة موحدة ما بين الضفة وغزة؛ عزز ذلك لاحقًا عمليتا تعديل وزاري أجراهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشكل منفرد على حكومة التوافق، قابلتهما حماس هي الأخرى بإجراء تدوير لمجلس الوكلاء بغزة.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر، الدكتور كمال الأسطل، لبوابة "العين" إن استمرار الانقسام، يلقي بظلاله على مجمل القضية الفلسطينية وتسبب بتراجعها على الأجندة الدولية؛ "لانشغال الفصائل والدكاكين في مصالحها بعيدا عن المصالح العليا للشعب".
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية "تحولت إلى قضية إنسانية، وانشغل الناس بدلاً من التفكير بالتحرر بالمشاكل اليومية مثل المعابر والسفر، والمواد الغذائية وجباية الضرائب وتراكم الأموال بغير وجه حق".
قرار وقف التنسيق الأمني
وفي غمرة استمرار جمود المفاوضات مع إسرائيل، وفي ظل تصاعد وتيرة الاستيطان بشكل غير مسبوق في الضفة الغربية، قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في ختام اجتماع له في السادس من مارس/أذار وقف التنسيق الأمني بأشكاله المختلفة مع الاحتلال في ضوء عدم التزام الأخيرة بالاتفاقات الموقعة بين الجانبين.
ورغم أن القرار لم يجد طريقه إلى التنفيذ، إلا أنه بات عامل تهديد يلوّح به المسؤولون الفلسطينيون في وجه إسرائيل، بين الحين والآخر، وبدا ذلك بشكل أوضح في خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، لاحقاً الذي لوح فيه بالتخلي عن الاتفاقات.
وفي خطوة مهمة، سيكون لها ما بعدها، سلم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي سلم وثائق انضمام دولة فلسطين لـ15 اتفاقية ومعاهدة دولية، في شهر إبريل، إلى الجهات الدولية المختصة، كان من ضمنها التوقيع على ميثاق روما، لتنضم بذلك فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية كعضو رسمي؛ الأمر الذي وصف بأنه خطوة تاريخية لتوفير أرضية قانونية تتيح ملاحقة إسرائيل وقادتها كمجرمي حرب، بعد ثلاثة حروب كبرى على غزة، أدت لمقتل أكثر من 4500 شخص، وإصابة الآلاف فضلاً عن التدمير الواسع في البنية التحتية.
وبدأت السلطة، ومنظمات حقوقية فلسطينية بخطوات عملية في هذا المجال من خلال التقدم بقضايا حول الجرائم الإسرائيلية أمام المحكمة التي كانت فتحت تحقيقاً أوليّا مطلع العام لاستكشاف عما إذا مارست إسرائيل جرائم حرب في غزة.
حرق عائلة دوابشة
واستيقظ الفلسطينيون في اليوم الأخير من يوليو/ تموز، على وقع جريمة بشعة اقترفها المستوطنون في الضفة الغربية، بإقدامهم على إحراق منزل عائلة "دوابشة" والأسرة كاملها بداخله، في قرية دوما بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية؛ الأمر الذي أدى إلى استشهاد الرضيع علي دوابشة فورا، واستشهاد والديه سعد وريهام لاحقا متأثرين بجراحهما، فيما لا يزال الناجي الوحيد الطفل البكر أحمد يتلقى العلاج من حروقه الخطيرة.
جريمة المستوطنين أشعلت الغضب الفلسطيني، وسرعت في التحرك الرسمي نحو الأمم المتحدة، للاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، في تحدٍ للرفض الإسرائيلي والتهديد الأمريكي بقطع المساعدات.
الاعتراف بالدولة ورفع العلم
ونجح الفلسطينيون في 14 سبتمبر في انتزاع اعتراف دولي بدولتهم كعضو مراقب رسميا في الأمم المتحدة، وصوّت على ذلك 136 دولة من بين 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، وقبل ذلك بيومين أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية 119 صوتا رفْع علم فلسطين في مقرات الأمم المتحدة وقد اعتبر إنجازا رمزيا على خطوة بناء الدولة الفلسطينية المستقبلية.
خطاب عباس
وفي 30 سبتمبر ألقى الرئيس الفلسطيني خطاباً وصف بأنه تاريخي أمام قادة الدول في الدورة الـ70 للأمم المتحدة في نيويورك أعلن فيه أن الجانب الفلسطيني لا يمكنه الاستمرار بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل؛ ما دامت مُصرّة على عدم الالتزام بها، وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى.
وطالب إسرائيل أن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال؛ لأن الوضع القائم لا يمكن استمراره، مشددا على أن السلطة الفلسطينية ستلجأ إلى الطرق والوسائل السلمية والقانونية للوصول إلى حل جذري، مضيفا في السياق "إما أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية ناقلة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل إسرائيل سلطة الاحتلال، مسؤولياتها كافة".
تفجر الانتفاضة
وقوبل خطاب عباس بترحيب فلسطيني وتظاهرات كبيرة، وبدا أنه أعطى إشارة البدء لانتفاضة شعبية عارمة انطلقت بعد ذلك بشهر كامل، استهلت في الأول من أكتوبر بهجوم مسلح نفذه ناشطون من حماس على سيارة للمستوطنين قرب حاجز بيت فوريك في نابلس، ما أدى إلى مقتل مستوطن وزوجته، وبدا لافتا أن المهاجمين تجنبوا إصابة أو قتل الأطفال الذين كانوا في السيارة رغم قدرتهم على ذلك.
وسرعان ما تطورت الأمور نحو المزيد من العمليات التي غلب عليها الطابع الفردي، بإقدام شبان وفتيات وأشبال على تنفيذ عمليات طعن أو دهس كان لمدينة الخليل والقدس النصيب الأكبر فيهما من حيث عدد الشهداء وعدد العمليات، بالتوازي مع مواجهات شعبية في نقاط التماس مع الاحتلال بالضفة والقدس وقطاع غزة.
واستشهد منذ بدء الانتفاضة 135 شهيداً، بينهم 26 طفلاً و6 نساء، وفق وزارة الصحة الفلسطينية، فيما قتل 24 إسرائيلياً، بينهم أمريكي وأريتري، ثلاثة منهم قتلوا بنيران صديقة خلال استهداف المنفذين الفلسطينيين.
ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر، أن الهبة الحالية جاءت كتعبير شعبي خالص بالتحرك بعد أن يئس من دور الفصائل التي تبحث عن مصالحها، فانطلقت الهبة أو الانتفاضة بدون قيادة، عادًّا ذلك سر قوتها وسر استمراريتها حيث تقترب من نهاية شهرها الثالث، ولا ترتهن لإرادة فصيل، كما كان يحدث عندما أشعلت الحروب ثم بدأ البحث عن طلب هدنة لوقفها، في إشارة منه إلى سياقات الحروب في غزة ودور حركة حماس منها.
وأكد الأسطل أن العبور لعام 2016 يتطلب مراجعة شاملة للسياسات الفلسطينية منذ الانتخابات الأخيرة عام 2006، وأن المطلوب الآن تغيير المؤسسة الحاكمة في فلسطين وضخ دماء جديدة في ضوء تعطل وفشل النظام السياسي الحالي.
aXA6IDE4LjE4OC41OS4xMjQg جزيرة ام اند امز