وإلا فليعلن السوريون عن سقوطها، والسقوط الأخلاقي لدول العالم، بصوت عالٍ ومدو.
أما وقد أرغمنا المجتمع الدولي ومصالحه على الجلوس على طاولة التفاوض مع جزارنا، بقرار مسبق تكاد سطوره أن تقول إن لا مناص لنا من قبول بقاء النظام ورأسه، فإن المعارضة السياسية مطالبة بالارتقاء في أدائها إلى مستوى خداع العالم ودجله، وأن تحشر نظام الأسد في المكان الذي يستحقه، وهو المحكمة. وما ذاك بعسير لو تحلى المعنيون بالتفاوض بالحد الأدنى من نكران الذات والمسؤولية والمهارة السياسية.
تستطيع الهيئة التي أنيط بها مهمة اختيار الوفد المفاوض أن تنتقي لرئاسته ذلك الطبيب من درعا، الذي فقد أولاده السبعة ببراميل الأسد، ليكون رئيساً للوفد، وأن تختار سيدة على قدر من العلم، ممن فقدن أحبتهن في مجزرة الكيمياوي، وما أكثرهن، لتكون نائبة للرئيس، وأن يتم اختيار شخص فقد أولاده في معتقلات النظام تحت التعذيب، ليكون نائباً ثانياً، ويمكن إضافة ضحايا آخرين، ربما كانوا من أولئك الذين بُترت أطرافهم أو احترقت وجوههم، في حرب المجرم على الشعب السوري، وليس أسهل من إيجاد المئات من هؤلاء، ممن يمتلكون المؤهلات العلمية والثقافية والسياسية، التي تمكنهم من خوض غمار المفاوضات بكفاءة، وأن تجعل من منصة جنيف التي سيتابعها العالم أجمع، محكمة رمزية للنظام ومن يدعمه ومن يصمت عنه، وتضع الخط الأحمر الأخلاقي الذي لا يجوز للمعارضة أو القوى الدولية أن تتجاوزه، وهو الجرائم المروعة ضد الإنسانية التي ارتكبها بحقهم نظام الأسد الذي أحجم واضعو القرار 2254 عن مجرد الإشارة إليه، على نحو يذكّر بصمت الشياطين.
وتستطيع اللجنة المعنية أن تصدر في يوم المؤتمر بالذات، نشرة تعريفية برئيس الوفد وأعضائه، وتوزيعها على كل من يعنيهم الأمر، وأن تصر على وجود هؤلاء، لا بوصفهم ضحايا، يتم التوسل من خلال مأساتهم للوصول إلى نتائج سياسية، بل بوصفهم مفاوضين كاملي الصلاحيات، والممثلين الأكثر شرعية وصدقية للشعب السوري وقضيته.
وتستطيع هيئة التفاوض بذلك أن تحرز النصر الأخلاقي والإنساني الذي تحاول القوى الدولية أن تسلبنا إياه، من خلال حلّ سياسي مزعوم لا ينطوي في حقيقته على أي فرصة لسلام دائم وعادل في بلادنا، بل يقدم الشعب السوري أضحية موثقة اليدين على مذبح مصالح القوى العظمى.
وتستطيع المعارضة بتخليها قليلاً عن نرجسيتها، أن تتراجع خطوة إلى الوراء، لتسمح للأضواء ان تسقط لمرة واحدة على السوريين الحقيقيين، سوريي الداخل المنكوبين، فتكسب نقطة لدى هذا الشعب، ونقطتين على أعدائه، هو الذي طالما اتهم تلك المعارضة، وهو محق إلى درجة بعيدة، بأنها لا تمثل سوى نفسها والأنظمة التي تشغّلها.
وتستطيع تلك المعارضة التي يفترض أنها ديموقراطية ووطنية، أن تكسب نقاطاً اضافية في صراعها الآخر مع قوى الإرهاب ذات الأجندات الدخيلة والغريبة عن السوريين وثورتهم، حين تمنح السوريين المتضررين حتى النخاع من إجرام النظام وميلشياته فرصة تمثيل أنفسهم، والدفاع عن قضيتهم، بطريقة انسانية، ليست مشتقة من أساليب الأنظمة الإجرامية، وذهنيتها الدموية القاتلة التي تكرر على أسماعهم كل يوم أن لا أحد غيرها يهتم لأمرهم ومعاناتهم.
أخيراً، سيؤدي وقوف الضحايا في وجه جلاديهم إلى تحويل جلسات التفاوض إلى محكمة أخلاقية كبرى، وتقهقهر النظام وحلفائه، وانهيار المفاوضات، وهو أقصى ما يجب ان تسعى إليه هيئة التفاوض في الجولة الحالية، فنقض العملية برمتها، وإبطالها بأساليب لا تخرج عن الأعراف الديبلوماسية، ومعاودة تأسيسها على قواعد أكثر عدالة، هو السبيل الوحيد لتحقيق تقدم في عملية التسوية، إن كان ثمّة من يريد لها أن تتقدم، وإلا فليعلن السوريون عن سقوطها، والسقوط الأخلاقي لدول العالم، بصوت عالٍ ومدو.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة