وتقف مصر الآن فى مفترق طرق، فإما أن تتجه إلى الاستقرار وتنجح فى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، أو تتفاقم مشاكل مصر
وأخيراً اكتملت مقومات النظام السياسى بإتمام الخطوة الثالثة من خريطة الطريق لمستقبل مصر وهى انتخاب مجلس النواب، وتقف مصر الآن فى مفترق طرق، فإما أن تتجه إلى الاستقرار وتنجح فى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى المجتمع، أو تتفاقم مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى تراكمت عبر الأربعين عاما الأخيرة من تاريخ مصر، ويطرح الآن السؤال عن مدى قدرة الشعب المصرى على الخروج من المأزق الذى عانى منه طويلاً ، فهناك أزمة معقدة ومركبة نتجت عن سياسات خاطئة آن الأوان للتصدى لها بعد أن اكتملت هذه المقومات، ويلاحظ الكثيرون أنه لم تحدث حتى الآن المواجهة القادرة على إخراج مصر من أزمتها الشاملة ومما يضاعف الشكوك فى قدرة النظام على الاستجابة لمطالب المصريين، وإيجاد حلول حقيقية لمشاكل المجتمع إننا لا نرى فى الأفق أى تعبيرات عن الإحساس بهذه المشاكل، ولنأخذ الوضع الاقتصادى الاجتماعى مثالاً لما نذهب إليه فى عدم القدرة على مواجهة هذه المشاكل، فهناك فوارق طبقية كبيرة حيث تتراكم الثروة فى يد أقلية محدودة، بينما يعانى أغلبية الشعب من الفقر ويعانى الشباب من البطالة فإذا استعرضنا نتائج انتخابات مجلس النواب فإن شكوكنا تتضاعف من قدرته على معالجة هذا الوضع حيث فاز فى هذه الانتخابات ثلاثة أحزاب رأسمالية مولها كبار الرأسماليين وهى حزب المصريين الأحرار (65 مقعدا) وحزب مستقبل وطن (50 مقعدا) وحزب الوفد (43 مقعدا) ولا تختلف الأحزاب التى تلتها فى ترتيب المقاعد التى حصلت عليها عن توجهاتها الرأسمالية الواضحة يستوى فى ذلك حزب الإصلاح والتنمية وحزب المؤتمر وحزب حماة مصر وغيرها، كما أن المستقلين الذين فازوا لا يختلفون كثيراً عن هذا التوجه الرأسمالى حيث إن أغلبيتهم من القادرين مالياً، سواء كانوا من أغنياء الريف أو من رجال الأعمال أو كبار المهنيين، وفى ظل هذا الوضع الذى تسيطر فيه التوجهات الرأسمالية على البرلمان الجديد فإنه من حقنا أن نشك كثيراً فى قدرة هذا البرلمان على تصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة بشكل تلقائي، وإنما من المهم أن يبرز داخل البرلمان عدد من النواب حتى ولو كان محدوداً لتبنى اتجاهات مختلفة فى معالجة مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية التى تتطلب الأخذ بسياسة العدالة الاجتماعية فى مواجهة التوجه الرأسمالى الطاغى فى تركيبة مجلس النواب .
وهناك فرص عديدة لإمكانية تبنى العدالة الاجتماعية فى حل هذه المشاكل ويأتى على رأس الأوضاع التى تتطلب حلولاً جديدة فى إطار العدالة الإجتماعية أن نعالج الخلل فى توزيع الدخل القومى حيث يبلغ نصيب الملاك من هذا الدخل ( وهم أقلية ) أكثر من 75% ويبلغ نصيب العاملين بأجر( وهم أغلبية ) أقل من 25% ويمكن معالجة هذا الوضع بإعادة النظر فى منظومة الضرائب، والأخذ بمبدأ الضريبة التصاعدية حيث يدفع الأكثر دخلاً ضرائب أكثر كما يدخل فى معالجة هذا الوضع الذى يمثل ظلماً اجتماعياً واضحاً رفع الدعم عن الأغنياء والقادرين واقتصاره على ذوى الدخل المحدود وهناك أيضاً ضرورة انتهاج سياسات تفتح الباب أمام حل حقيقى لمشكلة البطالة التى يعانى منها الشباب، وأن تتجه السياسات المقترحة فى مجلس النواب نحو تنفيذ مشروعات اقتصادية توفر فرص عمل تتناسب مع أعداد العاطلين الكبيرة .
كما يدخل فى باب معالجة هذه المشاكل أن نتبع سياسات توفر التعليم الجيد للفئات الضعيفة والفقيرة، كما نوفر نظاماً علاجياً فعالاً لهذه الفئات . وربما يتساءل الكثيرون عن قدرة المجلس على انتهاج هذه السياسات فى ظل تركيبته الاجتماعية التى يغلب عليها التوجه الرأسمالى كما أسلفنا . ولا تخلو تركيبة المجلس الاجتماعية من طاقة نور يمكن الاستفادة منها فى الضغط داخل المجلس لتحقيق هدف تصحيح توزيع الدخل القومى فى مصر ، وذلك بتشكيل نواة من النواب الذين يؤمنون بالعدالة الاجتماعية رغم قلة عددهم ولكن لو نجحوا فى طرح سياسات أو تشريعات فى إتجاه العدالة الاجتماعية وتصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فإنهم يمكن أن يجتذبوا إليهم عدداً أكبر من النواب خاصة من المستقلين ، خاصة وأن الأزمة التى يعانى منها المجتمع سواء تمثلت فى سوء توزيع الدخل القومى وانتشار الفقر والبطالة ومعاناة ملايين المصريين من عدم القدرة على توفير مطالب الحياة فإن هذه الظواهر يمكن أن تكون عامل ضغط على المجلس فى تصحيح هذه الأوضاع وإذا كنا لا نستطيع أن نتعرف منذ الآن على توجهات كل نائب مستقل فى المجلس فإننا نعرف أن المجلس يضم فى عضويته عدداً من النواب يمكن أن يبدأوا هذا التوجه نحو تحقيق العدالة الاجتماعية مثل النائب كمال أحمد والنائب هيثم الحريري، والنائب خالد يوسف ، والنائبة نشوى الديب، والنائب عبدالحميد كمال والنائب محمد عبدالغني، ونواب الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى .
وهناك فرصة حقيقية أمام هؤلاء النواب للاتفاق على أجندة تشريعية تتضمن مشروعات قوانين لمعالجة هذه الأوضاع وأن يبدأوا نشاطهم المشترك، وسوف يكون له صدى فى ظل الضغوط المجتمعية على المجلس التشريعى . ومن المهم أن يبدأوا بالتنسيق فيما بينهم حول قضايا العدالة الاجتماعية ولا يتجهوا إلى تكوين تحالف أو ائتلاف ليتمتعوا بحرية الحركة فى ممارسة دورهم فى المجلس فى القضايا التى تخرج عن إطار هذه العملية التنسيقية .
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة