تواجه مصر مع مطلع العام الجديد ظروفا صعبة وتحديات جسيمة على مختلف الأصعدة، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا واقليميا.
تواجه مصر مع مطلع العام الجديد ظروفا صعبة وتحديات جسيمة على مختلف الأصعدة، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا واقليميا، وكلها معروفة للناس ولا داعى لتكرارها كما لو كانت اكتشافا جديدا. فالمهم فى هذه اللحظة الفارقة ليس أن يلقى كل منا بكلمة حاسمة تريح ضميره وترفع عنه الوزر واللوم، أو تثبت صحة توقعاته بمستقبل قاتم، بل الأهم أن نجد طريقا للخروج من الوضع الراهن المحتقن لما فيه مصلحة البلد وتقدمه.وبرغم كل التحديات الجسيمة التى تواجه البلد، رغم استمرار خطر الارهاب وتفاقم الأزمة الاقتصادية واضطراب المشهد السياسى، فإن أمضى سلاح فى جعبتنا هو أن هذا الشعب العنيد لا يزال يريد للدولة أن تنجح، وللاستقرار أن يسود، وللاقتصاد أن ينتعش، وللإرهاب أن يندحر.
برغم كل مصاعب السنوات الماضية أثبت المصريون أن قدرتهم على التحمل والصبر والتأقلم قد فاقت كل التوقعات، وأن استعدادهم للمزيد من التضحية لا يزال قائما.
ولكن الوقت حان لكى يشعر بأن صبره وتحمله لم يكونا بلا طائل، وأن يرى بابا للخروج من المسار المضطرب الذى تسلكه الدولة.
لذلك فمع صعوبة التحديات التى تواجه الوطن، فإن أخطرها جميعا هو التغيير الذى طرأ على الرأى العام المصرى، وجعله ينتقل من حالة التفاؤل التى كانت سائدة فى مطلع العام الماضى إلى الحالة الراهنة من القلق والتوجس وتراجع الثقة فى قدرة الدولة على التعامل مع تلك التحديات بكفاءة وحكمة أو استعدادها للانصات لمشاكل الناس والتعامل معها. هذا خطر علينا جميعا، من كان مؤيدا للسياسات الحكومية ومن كان معارضا لها، لأن فقدان الأمل والثقة فى المستقبل يمنع التقدم والإصلاح.
ولهذا فعلى الدولة أن تستغل فرصة انتخاب برلمان جديد، وتشكيل حكومة جديدة، وبدء مرحلة جديدة، لكى تعيد النظر فى المسار الذى سلكته خلال العام الماضى وتراجع نفسها فى جدوى الاستمرار فيه لأن انتهاج ذات السياسات لابد أن يفضى إلى ذات النتائج. وهنا لا أتحدث عن تغييرات فنية فى سعر الضريبة، أو سياسة الصرف، ولا عن إصدار قانون جديد للاستثمار أو الصناعة، ولا عن توزيع بعض المساكن والأراضى.
المطلوب هو تغيير المسار الذى تنتهجه الدولة ووقف حالة الانقسام والتفرق فى المجتمع التى لن تسمح بتنمية حقيقية ولا بأمن واستقرار دائمين.
نقطة البداية أن تدرك الدولة أن تماسك المجتمع واصطفافه وراء قيادته ومؤسساته لن يتحقق بالأمر ولا بالتهديد ولا بالقمع، بل بفتح قنوات التفاهم والتشارك، ووضع نهاية لحالة التحريض والتخوين والاقصاء، وباحترام القانون وتحقيق العدل. وهذا يقتضى:
أن تعمل الدولة على استعادة ثقة الشباب ومشاركتهم، ليس عن طريق تعيين عدد منهم فى المجلس التشريعى أو اختيارهم مساعدين للوزراء أو الإفراج عن بعض المحبوسين منهم ثم إلقاء القبض على غيرهم، بل بفتح مجال مشاركتهم فى العمل السياسى والنقابى والأهلى ورفع القيود المفروضة على حريات التعبير والاحتجاج والتنظيم السلمى، والافراج أو العفو عن كل المحبوسين بتهم تتعلق بالتظاهر السلمى أو التعبير عن الرأى مهما كان معارضا أو مستفزا أو صادما.
وأن تجرى حوارا حقيقيا مع المجتمع الاقتصادى والمستثمرين ومع ممثلى النقابات والمصالح الاقتصادية المختلفة، لا ينتهى عند تنظيم لقاء رئاسى مع بعض المقربين والنجوم من رجال الأعمال، بل يتضمن ممثلى الاتحادات والجمعيات ومختلف القطاعات ويعبر عن احتياجات وتوقعات كبار المستثمرين وصغارهم، وعن مشاكل العاملين والشباب الباحث عن فرصة عمل، ويتيح الفرصة لأن تنصت الدولة من خلاله لمشاكلهم الحقيقية واحتياجاتهم الفعلية بدلا من الاستمرار فى سن قوانين والاعلان عن مبادرات ومفاجآت تحظى باهتمام إعلامى واسع ولا تحقق كثيرا على أرض الواقع.
وأن تضع نهاية لمسلسل تصفية الحسابات الذى يجرى فى أروقة النيابات وساحات القضاء منذ سنوات وتحسم الملفات المفتوحة بلا طائل، بحيث يلقى المجرمون الثابت فى حقهم قتل أو تعذيب أو فساد عقابهم، ويمضى الآخرون فى طريقهم فى اطمئنان وثقة بأن الدولة لا تتربص بهم أو تبتزهم أو تنبش عمن كان منهم اسلاميا أو علمانيا أو مباركيا، بل تحميهم وتشجعهم على العمل السياسى والاقتصادى والمشاركة بكل قوة فى بناء مستقبل جديد.
وأن تضع ضوابط إعلامية وتعمل على تطبيقها على الجميع وفقا للقانون، بما يوقف مهزلة الانحدار المهنى والاخلاقى التى سقط فيها الإعلام المصرى. والمطلوب هنا ليس تقييد حرية الرأى ولا تكبيل الاعلام، بل مجرد توقف الدولة عن استخدامه وسيلة لإدارة الرأى العام وتحريضه والاساءة إلى رموز الوطن وإلى كل من يخرج عن طوع الدولة وأوامرها.
هذا وحده كفيل بضبط الأداء الاعلامى دون حاجة لقوانين جديدة أو لغلق صحف أو تعطيل برامج تليفزيونية.
وأن تمنح البرلمان الجديد ــ مهما كانت المشكلات والعيوب التى شابت انتخابه ــ فرصة حقيقية لكى يختار قياداته ويعبر عن رأيه وعن رأى الناخبين، وتدعمه بالمعلومات والحقائق، وتحترم ما يقدمه من استجوابات وطلبات إحاطة، وترفع يدها عن التدخل فى شئونه، وتترك الرأى العام يحكم عليه ويحاسبه ويقوم أداءه لو انحرف عن دوره التشريعى والرقابى.
فهل من أمل فى طى صفحات الماضى بكل ما فيها من أخطاء وتجاوزات ارتكبتها كل الأطراف، وفتح صفحة توافق جديد؟
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة