عنوان هذا المقال ليس من عندي،لكنه جاء في نيويورك تايمز حول الطريقة التي تعامل بها الإعلام الأمريكي مع الذين اقتحموا محمية للحياة البرية
عنوان هذا المقال ليس من عندي، لكنه جاء في صحيفة نيويورك تايمز حول الطريقة التي تعامل بها الإعلام الأمريكي مع مجموعة المسلحين الذين اقتحموا مقر محمية للحياة البرية في ولاية أوريجون منذ أيام، احتجاجا علي الحكم الصادر بالسجن ضد شخصين متهمين في جريمة إشعال حرائق.
هذا التساؤل في العنوان طُرح أيضا بطريقة مشابهة في مقال آخر في صحيفة واشنطن بوست تحت عنوان مباشر: لماذا لانطلق عليهم "إرهابيين"؟
هذه المشكلة الإعلامية في استخدام المصطلحات تناولتها هنا في مقال سابق بعد هجمات سان برناردينو التي قام بها اثنان من المسلمين بعنوان: "هذه جريمة.. وهذا إرهاب"، وقارنت الإسراع في استخدام لفظ "إرهابي" ضد مرتكبي هذه الجريمة، مع تفادي استخدامه في جريمة مشابهة قبلها بأيام عندما قام شخص بإطلاق النار علي مركز للرعاية الصحية وللأمهات في ولاية كولورادو لأسباب تبدو عقيدية لمناهضة الإجهاض.
في الأحداث الأخيرة في أوريجون تعددت المصطلحات المستخدمة بشأن تلك المجموعة المسلحة منها: "محتلون"، كما جاء في الواشنطن بوست، أو "ناشطون مسلحون" في النيويورك تايمز أو "ميليشيات".
لم تلجأ الصحف أو الإعلام لتعبير "الإرهاب" أو حتي لكلمات أخف مثل: "متمردون" أو "عصيان مسلح"، رغم أنها تصف بدقة ما تقوم به هذه المجموعة، فقد اقتحموا مقر المحمية بأسلحتهم، وأعلنوا استعدادهم للموت ولاستخدام السلاح ضد القوات الفيدرالية إذا حاولت تفريق احتلالهم للمقر الذي من الممكن أن يستمر لفترة طويلة.
هذا الحرص الإعلامي في استخدام التعبيرات لوصف تلك المجموعة المسلحة أثار تساؤلات حتي في مقالات داخل أكبر صحيفتين أمريكيتين، وفي صفحات التواصل الاجتماعي، فماذا لو كانت هذه المجموعة من السود أو المسلمين، هل كان الإعلام سيبدي هذا القدر من التحفظ في استخدام العبارات الأقوى؟
المقارنات بدأت تتم مع ما يحدث عادة من الإسراع بإطلاق وصف "بلطجية" علي السود في عمليات أقل بكثير مما نراه في أوريجون، ففي الإدراك الجماعي هناك ميل للتصديق بأن السود أكثر استعدادا لاستخدام العنف أو ارتكاب الجريمة، أما المسلمون فالأمر أكثر سوءا، فالسؤال الذي يطرحه بعض الإعلاميين عندما ترتكب جريمة ما هو: هل من الممكن أن تكون عملا إرهابيا؟ فالتصنيف هنا ليس مرتبطا بطبيعة الجريمة نفسها، ولا حتي بدوافعها، ولكن ببساطة شخص مرتكبها، أو لنكون أكثر صراحة: ما هو دينه؟
بالتأكيد إحدى المشكلات الأساسية هنا هي أن العمليات "الإرهابية" التي يرتكبها مسلمون تتم في أغلبها باسم الإسلام أو بحجة الدفاع عنه، وبالتالي لا يمكن فصل الجريمة عن الدافع الديني الصريح وراءها، وأي نظرة موضوعية لابد وأن تقر بهذا الارتباط، ليس فقط إعلاميا ولكن في إطار عملية المواجهة المطلوبة لمثل هذا النوع من العمليات، لكن القضية هنا في الاستخدام المصطلحي لتعبير "الإرهاب"، وأنا شخصيا لست معارضا لاستخدامه تجاه مرتكبي بعض الجرائم من "الإسلاميين"، لكن ينبغي أن نرفض بشدة قصره عليهم بشكل حصري، وقد لاحظت في مقال سابق أنه بينما كانت الصحف وبعض المسؤولين الإسرائيليين يصفون من قاموا بعملية حرق أسرة الدوابشة الفلسطينية بـ "الإرهابيين اليهود"، فإن وسائل الإعلام الأمريكية كانت حريصة علي عدم استخدام ذلك التعبير، ربما حتي لا تختلط المفاهيم لدي المشاهد الذي ينبغي -كما يبدو- أن يرتبط عنده هذا التعبير بنوع معين من المجرمين، وحتي تيموثي ماكفي الذي فجر المبني الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي بما تسبب في مقتل مائتين وستين شخصا من بينهم عشرات الأطفال، لم يتم استخدام كلمة "إرهابي" لوصفه علي نحو واسع.
أتصور أن الأمر أكبر من مجرد تعبيرات تستخدم هنا أو هناك، فهي تأتي في إطار عملية خلق وعي جماعي أراها للأسف مقصودة في بعض الحالات، خاصة من بعض وسائل الإعلام والصحافة المحافظة، كما أن وسائل الإعلام التي توصف عادة بالليبرالية أصبحت تسير في أغلبها مع هذه الاستخدامات "التمييزية" للمصطلحات سواء جهلا أو تماشيا.
المهم هنا ألا نستكين في مواجهة هذا التصنيف غير العادل للعرب والمسلمين، صحيح أن البداية يجب بل يتحتم أن تكون بمواجهة الظواهر الإرهابية التي استشرت مؤخرا في مجتمعاتنا، والتي تسمح بارتكاب أبشع الجرائم باسم الدين، لكن هذا لا يمنع من رفض هذا الاستخدام الحصري "للإرهاب" علي هذه النوعية من الجرائم أو المجرمين، فالتمييز في التعبيرات المستخدمة يتبعه بالضرورة تمييز ثقافي قد يؤدي بدوره إلي أشكال أخري أكثر بشاعة وعدائية، رأينا عينةً منها فيما يقوله المرشحون الجمهوريون للرئاسة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة