بنهاية عام 2015 انتهت المهلة التى حددها الرئيس النيجيرى لقوات الجيش والأمن للقضاء على جماعة بوكوحرام ومازال ضحاياها يتساقطون
بنهاية عام 2015 انتهت المهلة التى حددها الرئيس النيجيرى محمد بخارى لقوات الجيش والأمن للقضاء على جماعة بوكوحرام الإرهابية ومازال ضحاياها يتساقطون بالمئات فى نيجيريا وجيرانها.
وفى أغسطس أكد الرئيس التشادى إدريس ديبى أنه تم قطع رأس الحركة ولم يبق منها سوى مجموعات مبعثرة يمكن القضاء عليها وبعد أيام فاجأته بهجمات دموية على معسكرات الأمن والجيش داخل العاصمة نجامينا نفسها أجبرته على إعلان حالة الطوارئ وسحب قواته التى كانت تطاردها فى الكاميرون والنيجر المجاورتين.
فهل يرجع ذلك إلى ضعف وفشل من القيادات العسكرية واستباق للأحداث من القادة السياسيين أم إلى قوة وحُسن تخطيط من قادة بوكوحرام؟.
خلال حملته الانتخابية تعهد بخارى بسحق بوكوحرام فى غضون ثلاثة أشهر إذا فاز بالرئاسة وبعد توليه الحكم أمر بانتقال قيادة أركان القوات المسلحة المكلفة بمحاربتها من العاصمة أبوجا إلى مايدوجورى عاصمة ولاية بورنو معقل الجماعة فى شمال شرق البلاد للتعجيل بالقضاء عليها،ومع ذلك لم تتوقف هجماتها بل تسارعت وتيرتها فعيَّن قيادات عسكرية وأمنية جديدة وأعطاهم مهلة ستة شهور لإنجاز المهمة ولكن النتائج لم تكن مُرضية.
فرغم استعادة العديد من المدن والقرى من أيديها ومحاصرتها تقريباً داخل غابة سامبيسا لم تتوقف هجماتها الدموية بالعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة مع بعض الهجمات الخاطفة على القرى وضواحى المدن وقتل مَن يقع فى أيديها من الرجال واختطاف النساء والشباب وإحراق المنازل والمنشآت والهرب قبل وصول قوات الأمن والجيش.
عوامل عديدة وقفت وراء ذلك الإخفاق من بينها أن بوكوحرام تستخدم أسلحة وتكتيكات أكثر تطوراً مما لدى الجيش النيجيرى بشهادة بعض أفراده ويمتلك أفرادها خبرات أفضل بالتدريب على أيدى إرهابيين محترفين عملوا فى أفغانستان وشمال إفريقيا وأوروبا وتتمتع بحماية طبيعية داخل غابة سامبيسا الكثيفة التى تتخذها نقطة انطلاق لشن هجماتها الوحشية التى أصابت الناس وبعض أفراد الجيش والأمن بالهلع ففرَّ كثيرون وتركوا لها أسلحتهم فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وانضمام بعضهم إليها وحالة السخط الجماهيرى على السلطة نتيجةً لإساءة معاملة أفراد الجيش والأمن للمشتبه بهم مما وفَّر بيئة حاضنه تسهِّل تحركاتها بين المدنيين.
وفى المقابل تنقص أفراد الجيش والأمن الخبرة الكافية والأسلحة الحديثة للتصدى لحرب العصابات والعمليات الإرهابية ثم تأتى حالة الإسترخاء التى حلًت بالحملة العسكرية المشتركة بين نيجيريا وتشاد والكاميرون والنيجر وسط اتهامات للجيش النيجيرى بعدم بذل الجهد الكافى للقضاء على الجماعة المتطرفة،الأمر الذى أدى فى النهاية إلى انسحاب القوات التشادية لحماية الأمن الداخلي.
وزاد الطين بلَّة أن القوة الإقليمية المشتركة البالغ قوامها 8500 جندى لم تبدأ مهمتها بعد بهدف القضاء عليها لأسباب تتعلق بالتمويل والنقل والتسليح.
مما سبق يبدو أن بوكوحرام ستبقى خطراً إلى أجل غير مسمى ويمكن أن تتمدد فى غرب ووسط إفريقيا خاصةً فى النيجر المجاورة لنيجيريا وليبيا بعد أن أعلنت ولاءها لتنظيم داعش مما قد يوفر لها تمويلاً أكبر وأعضاء أكثر وسط تقارير عن أن الأسلحة تصل إلى معاقلها بالطائرات ليلاً دون أن يشعر بها أحد بينما الجيش النيجيرى مازال محروماً من أسلحة ومعدات متطورة لازمة للقضاء عليها لاتهام أفراده وقوات الأمن من جانب جماعات حقوق الإنسان والكونجرس الأمريكى بارتكاب فظائع ضد المدنيين.
ولذلك اكتفت الولايات المتحدة بإرسال 300 جندى إلى الكاميرون المجاورة لمراقبة تحركات الجماعة المتطرفة كجزء من جهد إقليمى أوسع لمنع تمددها وجماعات متطرفة أخرى فى غرب إفريقيا.
هجمات بوكوحرام التى راح ضحيتها نحو 17 ألف إنسان وشردت مليونا ونصف المليون من بيوتهم وأرغمت نحو مليون تلميذ على ترك الدراسة ودمرت نحو ألف مدرسة منذ تحولها للعمل العسكرى عام 2009 كانت السبب الرئيسى لهزيمة الرئيس السابق جودلاك جوناثان وفوز بخارى فى انتخابات العام الماضي،ويمكن أن تكون أيضاً سبباً رئيسياً لعدم التجديد لبخارى فى الإنتخابات المقبلة إذا فشل فى القضاء عليها خاصةً بعد أن قتلت أكثر من ألف شخص منذ توليه السلطة قبل سبعة شهور فقط.وبعد أن تجاهلت الجماعة عرضه التفاوض معها وإطلاق سراح معتقليها مقابل أن تفرج عن 219 تلميذة خطفتها من بلدة تشيبوك قبل 18 شهراً لم يعد أمامه سوى مواصلة الحرب ضدها،إن لم يكن للقضاء عليها،فللحد من هجماتها حتى يتمكن الجيش بالتعاون مع دول الجوار ودول كبرى من التخلص منها،هذا إذا لم تنفتح عليه جبهة جديدة تشتت جهوده.
فقد عادت أصوات تطالب بانفصال إقليم بيافرا الغنى بالمعادن والذى شهد حرباً أهلية فى أواخر الستينيات راح ضحيتها نحو مليون إنسان،ويمكن أن تتحول احتجاجات الشيعة فى الشمال إلى تمرد مسلح بعد قتل قوات الأمن 300 منهم بمدينة زاريا فى هجوم وصفته جماعات حقوق الإنسان بأنه لا مبرر له رداً على ما وصفه الأمن بمحاولتهم اغتيال قائد أركان الجيش فى كمين،ومن غير المستبعد أن يعجِّل إصراره على التصدى للقيادات المرتشية فى أجهزة الدولة بما فيها الجيش بالإطاحة به.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة