يُقال، إن "لا شيء سيئ يدوم إلى الأبد"، ولكن عندما يتعلق الأمر بانحدار سوريا إلى الفوضى، من الصعب أحيانًا تصور كيف يمكن أن تتحسن الأمور
يُقال، إن "لا شيء سيئ يدوم إلى الأبد"، ولكن عندما يتعلق الأمر بانحدار سوريا إلى الفوضى، من الصعب أحيانًا تصور كيف يمكن أن تتحسن الأمور. والإحصاءات لا تفي أبدًا مستويات المعاناة التي يتحملها المواطنون العاديون في البلاد، أكثر من ربع مليون قتلوا، وما يقدر بـ11 مليون أجبروا على مغادرة منازلهم، ومئات الآلاف أصيبوا، كل مواطن سوري تأثر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، دولة تقلص اقتصادها إلى النصف، وانهارت بنيتها التحتية. دولة يسيطر فيها داعش على مساحات شاسعة من المناطق الشرقية، وجميع القوى الإقليمية والدولية يبدو أن لديها رهان، أو مصلحة أو أجندة.
ولكن في بداية العام الجديد، كان هناك احتمال لبصيص من الأمل مع اقتراب الحرب الأهلية في البلاد من عامها الخامس.
عملية فيينا -رغم استبعاد السوريين من أول اجتماعاتها- جمعت أخيرًا كل اللاعبين حول الطاولة، وبدا أنها تتوصل إلى اتفاق على أن سقوط الدولة السورية في حالة من العنف الدائم، لها تداعيات تتخطى حدودها، ليست في مصلحتهم، وبينما أوجدت محادثات جنيف السابقة، مشاعر نبيلة، فإنها لم تتمكن من إحراز أي تقدم حقيقي على أرض الواقع، وكان فشلها تامًا، عندما استقال الوسيط (الدولي السابق) الجزائري الذي يحظى باحترام كبير، الأخضر الإبراهيمي، جراء شعوره بالإحباط.
على النقيض من ذلك، فقد حددت محادثات العاصمة النمساوية جدولًا زمنيًا طموحًا لإبطاء العنف، وخلقت مجموعة واسعة من رؤى الانتقال السياسي لهذا البلد في المستقبل، فيما يتعلق بالعلوم السياسية، تلك الخطط لديها كل شيء -محادثات المعارضة "التمهيدية"- التي تصدرت الأخبار بالفعل في ظل فرز محادثات الرياض في ديسمبر، المعارضة "الجيدة" من "السيئة"، محادثات معارضة النظام المقررة في وقت لاحق من هذا الشهر، والمواعيد النهائية لوقف إطلاق النار، صياغة دستور جديد، حكومات مؤقتة، انتخابات وطنية، والقائمة تطول.
في المملكة المتحدة، تنظر الحكومة إلى عملية فيينا باعتبارها العنصر السياسي لاستراتيجية سوريا، عنوانها استخدام القوة العسكرية ضد داعش، وحتى الآن شاركت الطائرات البريطانية في عدد انتقائي وقليل للغاية من الضربات، مقارنة بالأمريكيين الذين نفذوا 90٪ من العمليات حتى الآن.
وإدراكًا للطبيعة المثيرة للجدل، لقرار مهاجمة داعش في سوريا، بدون استراتيجية مخرج سياسي واضحة لما بعد، أصبحت عملية فيينا عاملًا رئيسيًا لاستراتيجية مشتركة تخرج من المملكة المتحدة، هذا على الرغم من أن "العملية الانتقالية"، التي وعدت بها العملية، لا تملك حلولًا واضحة للقضية المحورية والشائكة تقريبًا، بشأن مستقبل (رئيس النظام السوري بشار) الأسد، وفي غضون ذلك، تعهدت بريطانيا بأكثر من 1.1 مليار جنيه إسترليني من أجل الاستجابة الإنسانية للأزمة السورية، وهو أكبر مبلغ يقدمه أي بلد أوروبي، كما أنها حريصة على تجنب التعرض للضغط لقبول دخول مزيد من اللاجئين إلى حدودها، عقب الإعلان أنها ستسمح بدخول 20 ألف سوري، قبل نهاية عام 2020.
ولكن كما يحدث في كثير من الأحيان، تآمرت الأحداث لوضع عقبة كبيرة أمام عملية فيينا طموحة، ولكن تمس الحاجة إليها، القرار السعودي بإعدام رجل دين شيعي بارز، قد وضع سلسلة تعاقبية دبلوماسية من الأحداث في ظل سحب سفراء، وقطع علاقات في جميع أنحاء المنطقة، ما يعنيه هذا بالنسبة لمحادثات السلام السورية الوليدة، يمكن التنبؤ به للأسف، مع ازدياد سخونة الحرب الباردة السعودية-الإيرانية على نحو متزايد، فإن فرص استعداد طهران والرياض للتعاون في خفض توتر الصراع المعقد في سوريا قد أصبحت للتو أقل كثيرًا.
الآن، هو الوقت المناسب بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية، مع قيادة المملكة المتحدة على وجه الخصوص، لدعم جهود وسيط الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، لمحاولة الحفاظ على المكاسب التي تحققت في فيينا، ومن المقرر، أن يزور المملكة العربية السعودية، وطهران، هذا الأسبوع، وعندها فقط سنعرف إذا كانت فرص 2016 أكثر سلامًا في سوريا ستعود إلى مسارها الصحيح أو قد انهارت، ما لا يمكن إنكاره هو أن 2016 هو عام حاسم لبقاء سوريا في المستقبل كدولة فاعلة إذا فشلت فيينا، فإن التداعيات ستكون ملموسة بشدة من قبل السوريين العاديين، الذين عانوا بالفعل أكثر مما ينبغي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة