مساحة الخلاف مع أفكار إسلام بحيرى ربما تكون أكبر من الاتفاق معه، والطريقة التى عرض بها أفكاره ربما استفزت الغالبية العظمى من المصريين
مساحة الخلاف مع أفكار إسلام بحيرى ربما تكون أكبر من الاتفاق معه، والطريقة التى عرض بها أفكاره ربما استفزت الغالبية العظمى من المصريين، وفى بلاد «مكسورة» اقتصادياً وسياسياً، وعالم عربى يشعر بمرارة الهزيمة أمام الغرب، يصبح التراث ملجأ وهوية وطوق نجاة ليس مقبولًا مسه، لأنك حين تخسر الحاضر فإنك تبحث عن نجاحات الماضى، ويصبح اقترابك من الإخفاقات والمثالب أمراً شديد الحساسية يرفضه الضمير الجمعى لمعظم المجتمعات الإسلامية.
ولذا بقى التراث والفكر الإسلامى محصناً من النقد والمراجعة، والأئمة الأربعة اعتبرهم البعض كأنهم رسل وأنبياء، ففى ظل واقع مهزوم لابد أن تكون الصورة الذهنية عن كل الماضى الإسلامى هى صورة العدل والمساواة والرحمة والفتوحات والحضارة والعمارة وغيرها من الإيجابيات، أما السلبيات وهى كثيرة فلا يقبل مناقشتها أغلب الناس وينزلون جام غضبهم على من يقوم بذلك.
تلك فى الحقيقة كانت مشكلة بحيرى، أن الناس كانت ضده والمؤسسة الدينية وقفت ضده، وطريقته استفزت كثيراً من المستنيرين حتى من تقبلوا أفكاره وتعاطفوا معها ولو جزئياً.
والحقيقة أن ما قدمه الرجل كان فكرة أو أطروحة، ومهما كانت الملاحظات والانتقادات التى وجهت له ولأفكاره وطريقته، فإن ذلك لا يبرر للحظة مواجهة أفكاره بالسجن.
لقد تابع ملايين المصريين حوارات إسلام بحيرى مع عالمين جليلين لديهما قدر كبير من الاستنارة، وهما أسامة الأزهرى والحبيب الجفرى، ورأوهم يتحاورون ويختلفون ويحتدون، وتصورنا جميعاً أننا صرنا على الطريق الصحيح، وأصبحنا بلدًا طبيعيًا يعرف نقاشًا عامًا حول قضايا وأفكار دينية عميقة بدلاً من الكلام السطحى والتكفيرى الذى تنضح به قنوات دينية كثيرة.
وللأسف لم يهنأ كثير من المصريين الذين أسعدتهم «لقطة المناظرة» وعمقها حين فوجئوا بأن مصير أحد المتحاورين كان السجن، رغم أنه لم يحرض على العنف، ولم يقم بازدراء الإسلام، ولم يهنه، إنما انتقد بقسوة شديدة الأئمة الأربعة، وربما أهان فكر بعضهم، فهل هذا يعتبر ازدراءً للأديان؟
لم يحرض إسلام بحيرى على القتل والإرهاب، ولم يفت بقتل «النصارى» والعلمانيين، ولم يشرك بالله، ولم نسمعه يفتى بنكاح الجهاد ولا باستباحة النساء واعتبارهن غنائم، وهو فى النهاية قدم أفكاراً، والأفكار تنتقد وتناقش لا تسجن.
قضية إسلام بحيرى حكم فيها القضاء وفق نص قانونى، صحيح هناك نقض وهناك عفو رئاسى أراه راجحًا، إلا أن دلالة السجن تقول إن هناك نصاً قانونياً حاكماً كفّره، وهنا فى الحقيقة مربط الفرس.
إذا كان هناك نص قانونى استند إليه القاضى فى حكمه، فلابد من تغييره، ولابد من تقديم فهم واضح لكلمة ازدراء الأديان التى صارت فى العصر الحالى تفسر حسب أهواء الكثيرين، فازدراء الأديان ينطبق عليه ما يتعلق بالسب والقذف، أى إهانة وسب دين والمؤمنين به، أما نقد الأفكار وتقديم اجتهادات ولو صادمة للنصوص الدينية فلا تدخل فى باب ازدراء الأديان.
وهل أفكار الدواعش ممن لا يحملون السلاح ونسمعها حولنا كل يوم لا تمثل أكبر ازدراء وإهانة للدين الإسلامى، فهل عدم تهنئة المسيحيين بأعيادهم وإهانة المرأة والطوائف والأديان الأخرى لا يمثل ازدراء للدين والعقل يجب وقفه قبل سجن بحيرى وفكره.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة