دموع أوباما أصبحت قريبة، لاحظنا ذلك منذ إعادة انتخابه عام ٢٠١٢، حيث كان يتحدث إلي العاملين في حملته الانتخابية ليشكرهم علي جهودهم
دموع الرئيس الأمريكي أصبحت قريبة... لاحظنا ذلك منذ إعادة انتخابه عام ٢٠١٢، حيث كان يتحدث إلي العاملين في حملته الانتخابية ليشكرهم علي جهودهم الكبيرة، لكن ما بدأ كحديث سياسي تقليدي تحول إلي مناسبة عاطفية بكى فيها أوباما تأثرا، ثم استمر تدفق الدموع بعد ذلك في أكثر من مناسبة، لكن بشكل خاص بعد حوادث إطلاق النار الجماعية.. وما أكثرها خلال الأعوام الماضية، فيما أصبح روتينيا معتادا: شخص ما يطلق النار في مدرسة أو مكان عمل أو دار سينما أو ... أو ... يُقتل من يُقتل ويُصاب من يُصاب، ويخرج الرئيس الأمريكي بكلمات العزاء وربما بعض الدموع مطالبا الكونجرس بسن قوانين أكثر صرامة تجاه شراء وحمل الأسلحة النارية ، وفي النهاية لا شيء... النتيجة أنه يموت يوميا نحو ٨٨ شخصا بسبب تلك الأسلحة بينما يقف السياسيون في واشنطن عاجزين عن عمل شيء.
المدهش أن الرئيس الأمريكي الذي يوصف أحيانا بأقوى رجل علي الأرض، أو بزعيم العالم الحر، يجد نفسه مقيدا في إصدار بعض الإجراءات البسيطة في قضية مثل الأسلحة النارية، يكفي أنه بعد مقتل عشرين طفلا في مدرسة ساندي هوك الابتدائية لم يتمكن من تمرير قانون في مجلس الشيوخ يدعم إجراءات بديهية لفحص خلفية من يشترون أسلحة نارية، بحيث لا يتمكن المجرمون أو المصابون بأمراض نفسية وعقلية من الحصول علي أسلحة هجومية خطيرة، فلا يتصور الكثيرون أن من حق المواطن العادي شراء أسلحة شبه أوتوماتيكية مما يستخدم في المعارك الحربية، بينما يوجد من يدافعون عن تلك الممارسات الغريبة باسم الحق الدستوري المتضمن في المادة الثانية المُعَدّلة للدستور، هذه المادة التي جاءت اعترافا بدور الميليشيات المسلحة قديما لم تعد مناسبة الآن، لكن المحافظين يتمسكون بها ويعتبرون أي مساس بها انتهاكا لحق دستوري مقدس، إلا أن هذا كلام نظري، فالمشكلة الحقيقية أن ما يعرف بمنظمة ( إن آر إي ) التي تدافع عن الحق في حمل السلاح، تعبّر عن صناعة هائلة وغنية ومنظمة إلي حد بعيد، بحيث يمكنها أن تهدد فرص أي مرشح سياسي في أي انتخابات، وبالتالي يخضع لها أغلب السياسيين خاصة في الولايات المحافظة، ثم يغلّفون انصياعهم بعبارات ساذجة مثل: المجرمون سيحصلون علي الأسلحة في كل الأحوال، أو أنه لابد من التركيز علي الأمراض العقلية كما لو كانت أمريكا هي وحدها التي بها مرضي عقليون، ويتناسون أن قتلى الأسلحة النارية هنا يقتربون الآن من قتلي حوادث الطرق، وهي نتيجة طبيعية في بلد يمكن فيه امتلاك سلاح هجومي قوي بسهولة أكبر من الحصول علي رخصة قيادة سيارة.
والحقيقة أن أغلب الأمريكيين ممن يرون تلك الجرائم ربما يؤيدون بعض القيود الإضافية، ولكن دون اللجوء لإجراءات حاسمة لمنع تداول تلك الأسلحة، وهذا ما توافق معه أوباما في خطابه العاطفي يوم الثلاثاء بعد أن جمع العشرات من أهالي الضحايا في البيت الأبيض، فرغم كل الدموع والمشاعر المتدفقة يبدو ما اتخذه من إجراءات شيئا بديهيا في أي مجتمع، فما هي المشكلة في أن تبحث الأجهزة المختصة في الملف الأمني لأي شخص قبل شرائه السلاح؟ هناك بالفعل بعض الإجراءات المتبعة حاليا لكن بها ثغرات، وما أعلنه أوباما يدعم فقط هذه الإجراءات، ويزيد من العاملين فيها بحيث يتم الإسراع بها، مع تخصيص ميزانية نصف مليار دولار لرعاية المرضي العقليين والنفسيين، ودعم تكنولوجيا تأمين السلاح. فكما قال أوباما، إذا كانت الهواتف المحمولة الآن في أغلبها لا يمكن تشغيلها بدون بصمة صاحب الهاتف، فمن باب أولي تنفيذ ذلك في الأسلحة القاتلة.
لكن بالنسبة للسياسيين المحافظين وأتباعهم لا شيء يمكن قبوله، وهم يهددون الآن بإلغاء تلك الإجراءات بمجرد وصول أي منهم إلي البيت الأبيض، والمشكلة هنا ليست قاصرة علي المحافظين فقط، فقد فشل أوباما في تمرير تعديلات بسيطة عندما كان الديمقراطيون يسيطرون علي الكونجرس، لأنهم يخشون سطوة منظمة ( إن آر إي )، ويتفادى بعضهم أي تصويت قد يكلفهم مقاعدهم، هذا ما اضطر أوباما في النهاية للجوء لإجراءات تنفيذية لمعالجة القضية جزئيا، لكنه أول من يدرك أنها محدودة، وأنه لابد من تعاون المشرعين إذا كان للولايات المتحدة أن تتعامل بجدية مع ظاهرة العنف المسلح وانتشار الأسلحة النارية.
كذلك لابد من العمل علي تغيير الثقافة، أعرف شخصا بسيطا من ولاية بنسلفانيا يمتلك أكثر من ثمانية أسلحة نارية في منزله أغلبها للصيد، وهو بالطبع لا يريد من الحكومة أن تتدخل في هوايته التي لايري فيها ضررا حتي لو أدي ذلك لوصول الأسلحة لمن لا ينبغي لهم حملها.
وما بين تلك المشكلة الثقافية الاجتماعية، والمشكلة القانونية لمن يرون في الدستور حماية للحق في حمل السلاح دون النظر للحق في الحياة، والمشكلة السياسية لأعضاء في الكونجرس لا يفكرون فيما هو أكثر من الحفاظ علي مقاعدهم، ستظل مشكلة حمل السلاح في أمريكا عصية علي أي حل جذري، حتي علي الرئيس الأمريكي، الذي لا يجد عندها ما يقدمه للضحايا سوي بعض الإجراءات البسيطة، مبللة بقليل من الدموع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة