غيب الموت أحد زعماء الثورة الجزائرية حسين آيت أحمد، من دون أن يعاين انعطاف بلاده في اتجاه إضفاء الطابع الرسمي على اللغة الأمازيغية
غيب الموت أحد زعماء الثورة الجزائرية حسين آيت أحمد، من دون أن يعاين انعطاف بلاده في اتجاه إضفاء الطابع الرسمي على اللغة الأمازيغية. ومع أنه كان ذا نزعة قبائلية نسبة إلى منطقة القبائل شرق الجزائر، فقد كان يغلّب الحل الديموقراطي، في نطاق التعددية السياسية والفكرية والهوياتية على غيره، وتعرض للاعتقال والتضييق، بسبب انتمائه إلى منطقة القبائل التي ظل يدافع عنها كقضية حقوقية أكثر منها سياسية.
التطور اللافت في التعاطي مع المسألة الأمازيغية في الجزائر، أن مشروع الدستور الجديد الذي اقترحه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ارتقى بالأمازيغية إلى مستوى اللغة الرسمية إلى جانب العربية، ولا يمكن النظر إلى هذا المسعى خارج مدار الصراع الذي استغرق الجزائر فيه عقوداً طويلة لتثبيت هويتها العربية والإسلامية، باعتبارها عانت من أطول فترة استعمارية في المنطقة. ولجأت في غضون ذلك إلى تجارب عدة، حيث لم يكن قرار تعريب التعليم في مراحله ومناهجه كافة منفصلاً عن تغذية الشعور الوطني.
فالبلد الذي سلبت منه هويته، ممثلة في لسانه العربي والأمازيغي، لا يمكنه إلا أن يعمل على استردادها بأي شكل من الأشكال.
وإن كان دعاة الفرنكوفونية رأوا أن افتقار خطة التعريب إلى منهجية علمية توازي بينها وبين الانفتاح الثقافي، كان إلى جانب معطيات أخرى وراء تنامي نزعات تعصبية، تبرز عند منعرجات أي فترة انتقالية، في انتظار إنضاج الرؤية المستقبلية لأكثر الاختيارات أهمية في التعليم والفكر والاقتصاد والمشروع المجتمعي الذي يراد التأسيس له.
لا تناقض بين التعريب والأمازيغية. فقد عانت بلدان الشمال الأفريقي من نزعات التجزئة والتقسيم بين سكانها، هل هم عرب أم أمازيغ، وما الجامع بينهم؟ وهل تمكن إذابة كل التناقضات في صيغة واقعية، بعيداً من أشكال التشدد؟ كان طبيعياً أن تستأثر مسألة الهوية بالقسط الوافر من النقاش في بلدان واجهت أخطار التمزق قبل أن تطل الطبعات الجديدة للموجة الطائفية والمذهبية الرامية إلى تفتيت كيانات دول قائمة. وسواء بالنسبة إلى المدافعين عن الأمازيغية باعتبارها لغة السكان الأصليين، أو دعاة الانفتاح والملاءمة بين تعدد الهوية الإسلامية والعربية والأمازيغية والأفريقية والأندلسية، فإن الإشكال غلب عليه البعد السياسي، مع أن وجاهته في المعالجة الثقافية، القائمة على التعددية، أقرب إلى الحلول المستساغة. وثمة تجارب، مثل كيبيك الكندية والهويات الهولندية والبلجيكية وغيرها أظهرت وجاهة الاختيار النابع من المكونات الثقافية والاجتماعية.
باستثناء الفترة الاستعمارية التي ميزها طرح الإشكالية الهوياتية، من منظور الانغلاق والجمود وإذكاء الصراعات، لم تتجاوز ردود الأفعال حيال إنصاف المسألة الأمازيغية حدود النقاش الثقافي، وإن لم يخل من خلفيات وبواعث سياسية، من قبيل البحث في صيغة ملائمة للحضور الأمازيغي، خارج العقلية التي اتخذت منه طابعاً فولكلورياً، يؤثث المشهد العام. ومن بين التطورات الإيجابية في هذا السياق، أنه بعد أن كان النشطاء الأمازيغ يتعرضون للاعتقال لمجرد حمل لافتات كتبت بحروف أمازيغية، أو رفض تقييد أسماء الأبناء ذات الأصول الأمازيغية في الوثائق الثبوتية، صار في الإمكان الحديث عن ربيع أمازيغي، بدأ عبر توالي الاعتراف بالهوية الأمازيغية كأحد المكونات الثابتة للنسيج الاجتماعي والثقافي والتاريخي، والاتجاه نحو إقرار الأمازيغية لغة رسمية في دساتير بعض بلدان الشمال الأفريقي.
ربما كان أجدى في حالة كهذه أن يتسع نطاق النقاش حول مسودة الدستور الجزائري الجديد، في صورة استفتاء شعبي، لأن ذلك سيمنحه زخماً قوياً، فالإصلاحات الدستورية عندما تطاول أسس الهوية تتعزز أكثر في الاستفتاءات الشعبية.
إلا أن الأهم في ظل هذه التطورات أن المعالجات الدستورية والسياسية لإشكالات الهوية تكون أقرب إلى تكريس السلم الاجتماعي، منها عندما تستند إلى طروحات انفصالية، بدوافع مذهبية أو طائفية، وستظل منطقة الشمال الأفريقي أبعد من الانسياق لموجات هكذه، كونها جربت المضاعفات السلبية لنزعات التقسيم اللغوي، على حساب الوحدة.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة