خمس سنوات مرت على الأحداث التي شهدتها قرية العوامية - شرق السعودية - هذه البلدة الصغير الواقعة على الخليج العربي ظلت على صفيح ساخن طوال السنين الخمس الماضية.
خمس سنوات مرت على الأحداث التي شهدتها قرية العوامية - شرق السعودية - هذه البلدة الصغير الواقعة على الخليج العربي ظلت على صفيح ساخن طوال السنين الخمس الماضية. بدأت الأحداث بتحريض ومحاولات للخروج عن النظام ثم مظاهرات بنفس طائفي فمواجهات فإطلاق نار وزجاجات حارقة وصولاً إلى القتل وعمليات إرهابية استهدفت مواطنين ومباني حكومية ومحلات تجارية، كان الأهالي والأبرياء أكثر المتضررين مما يجري. رفعت راية الإصلاح تارة والمطالبة بالحقوق تارة ثانية وإخراج قوات «درع الجزيرة» من البحرين تارة ثالثة والتقسيم تارة رابعة. الرايات متعددة والثابت خلق حالة من الفوضى والتأزيم، وطوال السنوات الخمس كانت الاستراتيجية الأمنية قائمة على معادلة لم تهتز أبدًا، التفريق بين المواطنين المتضررين والمخدوعين، وبين المستغلين للأحداث من إرهابيين وعصابات إجرامية استفادت من الظروف لتعيث في العوامية فسادًا بشكل صريح، مسقطة معها أكذوبة المطالبة بالإصلاحات والحقوق وغيرها.
وإذا كانت الحكومة السعودية مارست ضبطًا للنفس منقطع النظير واصلت من خلاله السعي لإعادة الأمور تدريجيًا لطبيعتها في القرية الصغيرة، فإن محاصرة الظاهرة الإرهابية بدأت فعلاً بعد استشعار الشخصيات الدينية والاجتماعية في العوامية والقطيف لدورهم وبأنه واجب وطنهم عليهم، باعتبار أن كل الشعارات الزائفة التي رفعت في البداية لم تكن إلا خديعة من أفراد وجماعات مارست إرهابًا لم تعرفه المنطقة في تاريخها. دائرة البراءة من الفوضى اتسعت شيئا فشيئًا بعد أن كانت مترددة في بداية الأمر، حتى أصبح المجتمع بغالبيته يقف مع الدولة ويعي جيدًا حقيقة الدور الذي تقوم به لحمايته وفرض الأمن لصالحه، فصدح صوت الرفض والإدانة والاستنكار عاليًا وتمت تسمية الأشياء بأسمائها مع وصف ما يحدث بأنه إرهاب حقيقي، فلا هي دعوات لـ«الإصلاح» ولا مطالب «حقوقية»، بقدر ما هي تشكيلات إرهابية استغلت ترابط المجتمع للوصول إلى غاياتها الإجرامية.
قبل يومين أصدرت 110 شخصيات دينية واجتماعية وأكاديمية في العوامية بيانًا أعلنت فيه تأييدها لخطبة أحد مشايخ البلدة وهو الشيخ جعفر الربح، التي أطلق فيها يوم الجمعة الماضي مبادرة تدعو لتشكيل رأي عام مضاد «لمواجهة الأعمال الإجرامية الشاذة والمستنكرة التي عانى منها المواطنون في العوامية»، ومما جاء في البيان أن ما يحدث هو «سلسلة حوادث إجرامية قام بها ضعاف النفوس من المخربين الخارجين على القانون»، وأن هذه الحوادث «كالسطو على جمعية العوامية الخيرية والعبث ببعض الممتلكات والمرافق الخاصة والعامة مثل الدفاع المدني ومحطات الكهرباء والمدارس وغيرها، وكل هذه الحوادث تنتهك سلمية المجتمع». للأسف كل من انخدع بشعارات زائفة لما يحدث في العوامية اكتشف لاحقًا أنها فعلاً إرهاب في ثوب «حوادث إجرامية». يمكن القول إن مثل هذا البيان، وهو ليس الأول من نوعه، إحدى الوسائل الناجحة في محاصرة إرهاب العوامية وعزل أفراده، فالمواجهة الأمنية وحدها لن تنجح بفعالية ما لم يكن هناك توافق مجتمعي رافض لمحاولات نشر الفتنة بين المواطنين والاستخدام البشع للطائفية، والتي تسببت في قتل وتدمير وترويع الآمنين.
قرية العوامية واحدة من 38 ألف مدينة وقرية وهجرة تتوزع على رمال وشواطئ المملكة العربية السعودية، لكن الدولة تعاملت معها كما تتعامل مع بقية مدنها وقراها وهجرها، حتى سكانها الذين لا يزيدون على 27 ألف نسمة، يتم النظر لهم كما هم 30 مليون نسمة لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. منذ اليوم الأول لأحداث العوامية لم تتغير سياسة الدولة لمحاولات ضرب استقرار جزء منها، وبعد خمس سنوات مؤسفة وجارحة ومؤلمة وكاشفة، ثبت أن الدولة السعودية كسبت استراتيجيتها، تحارب الإرهاب وتحمي المدنيين وتحفظ الحقوق وتعيد الاستقرار، وتؤكد أن أمن المواطن السعودي في العوامية مسؤوليتها الأولى ضد الخارجين عن القانون، كما هو أمن واستقرار نفس المواطن القاطن في جيزان أو ينبع أو عرعر أو أي مدينة أو قرية في البلاد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة