أعمار الوزراء فى آخر حكومات عهد مبارك تجاوزت السبعين بسنوات، وقضى العديد منهم سنوات طويلة فى منصبه الوزارى تجاوزت العشر
نستكمل فى الجزء الثانى من هذا المقال بقية الأرقام والمؤشرات التى تُذكّرنا بحقيقة ما كانت عليه مصر قبل ثورة 25 يناير العظيمة، من جمود النظام وشيخوخته واستبداده.
فأما أعمار الوزراء فى عهد مبارك فكلها تؤكد مقولتنا المركزية عن شيخوخة النظام وجموده، فأعمار وزراء الثقافة والطيران والداخلية والتنمية المحلية والدفاع والأوقاف والعدل والشؤون القانونية والبرلمانية فى آخر حكومات عهد مبارك تجاوزت السبعين بسنوات، وقضى العديد منهم سنوات طويلة فى منصبه الوزارى تجاوزت العشر.
استمر رؤساء تحرير ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية الرئيسية فى عهد مبارك بمناصبهم ما يزيد على 25 عاما متصلة، منذ بداية الثمانينيات، جاوز خلالها معظمهم السن القانونية للإحالة للمعاش بسنوات قاربت على العشر، دون أن يتم تغييرهم، لا من باب الالتزام بالقانون ولا حتى من باب إفساح الطريق أمام أجيال أخرى لتولى مواقع المسؤولية.
وليت الأمر توقف عند أرقام وإحصائيات الجمود والشيخوخة لرجال مؤسسات نظام مبارك، بل امتد إلى مؤشرات أخرى أكثر عمومية تتعلق بأدائه فى عديد من المجالات.
وهنا يبرز المثال الأول والأبرز، وهو بقاء حالة الطوارئ معلنة فى البلاد لما يقارب تسعة وعشرين عاما، بما يجعل منها المدة المتصلة الأطول فى تاريخ مصر الحديث كله، مستأثرة وحدها بنحو 43% من تاريخ الطوارئ فى مصر، البالغ نحو سبعة وستين عاما متقطعة.
ويمثل الدستور المؤشر الثانى على حالة الجمود التى سادت مصر فى ظل نظام مبارك، حيث ظل بدون تعديل لخمسة وعشرين عاما كاملة، على الرغم من تغير الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى البلاد، وارتفاع كثير من المطالبات بتعديله ليتوافق معها، وهى المدة الأطول فى التاريخ المصرى التى يظل فيها دستور واحد مستمراً دون تعديل. وحتى عندما تم تعديل الدستور مرتين فى عامى 2005 و2007 أتت التعديلات مناقضة لما طالبت به أغلبية المصريين، ومُرسِّخة لحالة الجمود والشيخوخة، ومثلها الأبرز هو الإبقاء على حق رئيس الجمهورية فى الاستمرار بمنصبه دون أى حد أقصى للمدد.
وظل الجمود أيضا مسيطراً على نتيجة الانتخابات العامة فى مصر، سواء كانت برلمانية أو رئاسية أو محلية، فعبر ستة انتخابات لمجلس الشعب شهدها حكم مبارك حصل الحزب الوطنى الديمقراطى، الذى يرأسه، بالتدخل الأمنى والتزوير الفج على أغلبية لم تقل يوما عن ثلاثة أرباع المقاعد، فقد كانت 80% عام 1984، ثم 78% تقريبا عام 1987، ونحو 80% عام 1990، ونحو 95% عام 1995، ثم 80% عام 2000، وأخيرا حوالى 75% فى مجلس 2005.
أما حال الجمود فى مجلس الشورى فقد كان أوضح وأسوأ، فخلال عشرة انتخابات فى عهد مبارك منذ عام 1983 لم تحصل المعارضة الحزبية من مقاعده الـ176 سوى على مقعدين لحزب التجمع فى عامى 2004 و2007، زادت فقط فى آخر انتخابات عام 2010 إلى أربعة لأحزاب المعارضة، وأربعة آخرين لمستقلين ليسوا بعيدين عن الحزب الوطنى.
وحتى يكتمل مشهد الجمود والشيخوخة فى أداء نظام مبارك، نذهب أخيراً إلى انتخابات المجالس الشعبية المحلية، التى من المفترض أنها تعبر عن عامة المصريين ومصالحهم المحلية الحيوية، لنكتشف أن نسبة سيطرة الحزب الوطنى على مقاعدها لم تقل أبداً عن 97% من إجماليها، بينما فاز فى انتخاباتها الأخيرة عام 2008- بالتدخل الأمنى والتزوير الفج- بجميع المقاعد التى زادت على ثلاثة وخمسين ألف مقعد، عدا نحو 300 فقط حصلت عليها كل أحزاب المعارضة، ومعها جميع المستقلين فى بر مصر.
هكذا كانت دولة العواجيز التى بدأ رحيلها فى 25 يناير 2011 واكتمل يوم 11 فبراير، بعد 18 يوماً من تصميم المصريين وصمودهم وانحياز جيشهم لهم منذ اللحظة الأولى، والتى يريد البعض- اليوم- أن يُنسينا ما كنا عليه فى ظل حكمهم، ومرة أخرى كما وصفهم خالنا الأبنودى:
عواجيز شُداد مسعورين أكلوا بلدنا أكْل
ويشبهوا بعضهم.. نَهَم وخِسَّة وشكْل
طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع
وحققوا المعجزة.. صحُّوا القتيل م القتل
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة