تمر اليوم خمس سنوات كاملة على واحد من أهم الأيام المصرية فى التاريخ المعاصر، يوم نزلت الحشود تطالب برحيل الرئيس وإسقاط النظام
تمر اليوم خمس سنوات كاملة على واحد من أهم الأيام المصرية فى التاريخ المعاصر، يوم نزلت الحشود تطالب برحيل الرئيس وإسقاط النظام وحقوق الحرية والكرامة والعدالة.
وهو ما تم بالفعل بعد 18 يوما حين ألقى رئيس المخابرات السيد عمر سليمان رحمه الله تعالى بيانه المقتضب بأن الرئيس قرر التخلى عن منصبه وتفويض السلطة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة، وحينها بدأت مرحلة جديدة تماما فى حياة مصر والمصريين، سميت المرحلة الانتقالية، وكان من المقرر أن تستمر ما بين ستة أشهر إلى عام على الاكثر، لكن تطور الأحداث وحالة الانفلات السياسى والامنى أدت إلى إطالة عمر المرحلة الانتقالية إلى عام ونصف العام حين أعلن انتخاب مرشح جماعة الاخوان رئيسا للبلاد والذى تولى السلطة رسميا فى 30 يونيو 2012.
ومنذ اللحظة الأولى لهذا الإعلان الصادم تبين للمصريين بمن فيهم الذين اصطنعوا توسم الخير فى حُكم الجماعة السرية، أن الجماعة ما جاءت لتحكم مصر بل لتنهبها، وتفرق بين مواطنيها، وتقضى على سيادتها وتمنح أجزاء من أراضيها لأطراف أجنبية، وتدفع بها إلى مغامرات سياسية وعسكرية بلا معنى، وأن همها الأكبر هو تقديم فروض الولاء والطاعة لكل من أمريكا وتركيا وقطر.
ومع تكشف نوايا الجماعة بدأت تحركات استعادة مصر لنفسها حزبيا وشعبيا ومؤسسيا، حتى جاء 30 يونيو 2014 لينهى مهزلة الجماعة ورئيسها، بدأت مصر مرة أخرى مرحلة انتقالية ثانية مدعومة شعبيا، اختير فيها رئيس المحكمة الدستورية العليا القاضى الجليل عدلى منصور رئيسا مؤقتا للبلاد، وهى المسيرة التى اكتملت بالفعل مع انتخاب الرئيس السيسى فى يونيو 2013، وانتخاب البرلمان فى ديسمبر 2015.
وحين ينظر المرء لهذه السنوات الخمس بكل ما شهدته من صعاب ومعاناة وانفلات أمنى غير مسبوق، وحرب ضروس مع الإرهاب وشهداء كُثر تساقطوا دفاعا عن الوطن، وتدخلات خارجية ظاهرة وخفية، وتراكمات عقود ستة سابقة من التهميش السياسى والتراجع الاقتصادى، وترهل الجهاز الإدارى للدولة المصرية، وندرة الموارد، والعجز الكبير والمتزايد فى الموازنة العامة للدولة، وارتفاع فاتورة الواردات، وتراجع الاحتياطى النقدى، وقلة الانتاج مقارنة بحجم الاستهلاك المتزايد، فضلا عن ارتفاع توقعات المصريين وتعجلهم الحصول على عوائد الثورة ورغبتهم فى تحسن أحوالهم فى أقصر مدى زمنى ممكن، يحق لنا أن نتساءل عن جدوى ما حدث بالفعل، وهل مصر تسير على الطريق رغم العقبات والتحديات لاسيما الإرهابية والأمنية، أم أن الأوضاع لم تتغير وتراجعت إلى ما قبل 25 يناير 2011؟
بعض الاجابات لهذا التساؤل غير منصفة بالمرة، وترى الأمور من منظور جزئى وسطحى فى آن واحد، وتقدم رؤيتها انطلاقا من فرضية غير صحيحة وهى أن الثورة فشلت لأن أشخاصا محددين لم يعودوا فى المشهد العام، ولم يسأل أصحاب هذه الفرضية أنفسهم عن سبب الغياب الفعلى لهذه الرموز التى ظهرت فجأة وتعلقت بأهداب الشهرة وتصوروا أنفسهم فوق القانون وأن لهم حقوقا فى التصرف دون ضابط أو رابط، وحين اصطدموا بالقانون واحترامه أطلقوا العنان لما سموه عودة نظام مبارك القمعى، ولم يدركوا أن الثورة الحقيقية بمعنى إحداث التغيير الكلى وتحقيق طموحات المصريين المشروعة يأتى بالعمل وزيادة الإنتاج والتغلب على ندرة الموارد وإصلاح المؤسسات والقضاء على التهديدات أيا كان مصدرها، وإعمال القانون والخضوع له واحترامه ومحاسبة المخطئ أيا كان، وإطلاق الحريات المسئولة وتأكيد المواطنة والمساواة بين الجميع وعدم الاستعلاء على احتياجات الناس الأساسية فى الأمن وتوافر فرصة عمل وتعليم متطور وخدمة صحية محترمة.
هذه الشروط وغيرها لن تحقق نتائجها المرغوبة بين يوم وليلة، ولن تأتى بثمارها إلا فى ظل قناعة عامة بين المصريين جميعا بأن بناء المستقبل يتطلب تضحيات محسوبة يتحملها الجميع كبارا وصغارا، وأن شعار «ليس لنا دعوة» والذى يرفعه البعض حين يطالب بما هو أكثر من الممكن لن يؤدى إلى شئ سوى الفوضى والإحباط وزيادة الصعوبات.
بعض المتضررين من المسيرة المصرية يصرون على أن هناك أزمة بين الشباب وبين النظام الذى يرونه قمعيا ولا يراعى رموز الثورة، وهو إصرار ينبض بالإجحاف الشديد لما يجرى على أرض الواقع.
ثم إن الشباب ليسوا كتلة صماء واحدة، أو أنهم جميعا يسيرون وراء خمسة أو ستة من العناصر الشبابية التى اشتهرت فى يناير 2011، وينتظرون أن يقودهم مرة أخرى إلى ثورة جديدة، وهى أوهام مبنية على خيال مفرط وإنكار للواقع.
وجزء من مشكلة الذين شاركوا فى بناء نظام يونيو 2013 ثم غيروا جلدهم بعد ذلك لإنطفاء الأضواء أو الابتعاد عن مراكز التأثير أو اصطدموا بمشكلة شخصية هنا أو هناك، ينكرون حدوث أى تغيير ايجابى تم بالفعل أو يجرى حدوثه، ويتصرفون وكأن اهداف الثورة وهى العيش والحرية والكرامة يمكن أن تهبط على المجتمع بين عشية وضحاها، ويتجاهلون حجم المشكلات التى تراكمت عبر ستة عقود أو أكثر، ويطرحون تصورهم وكأن البلاد لديها كل عناصر التقدم ولكنه النظام القمعى الذى يحول دون ذلك لأنه أبعد رموز الثورة عن القيادة، وهو طرح مغلوط جملة وتفصيلا، فلا خصومة بالمطلق بين النظام وفئة الشباب، ولا فئة الشباب كلها على قلب رجل واحد وضد النظام كما يوحى البعض بذلك، والمؤكد أن هناك قطاعات من الشباب تدرك حجم التغير الذى جرى فى السنتين الأخيرتين، وتدرك أيضا أن موارد البلد محدودة، وهى على يقين أن المؤسسات تعمل من أجل تحسين الأوضاع وإتاحة مزيد من الفرص العمل وتوظف كل طاقاتها لاخراج البلاد من أزماتها المختلفة.
والمفارقة الكبرى أن هؤلاء الناقمين يرون أن الشرطة لم تتغير، وبالتالى فأسباب الثورة قائمة ويجب استغلالها للنزول الى الشوارع، ويتجاهل هؤلاء حجم التضحيات الكبيرة جدا التى تقدمها الشرطة من أجل مواجهة كل صنوف الارهاب والعنف التى تأتى من الداخل أو تمول ويتم التحريض عليها من الخارج.
ويخطئ من يظن، كما هو حال الواهمين من الاخوان الارهابيين وغيرهم، أن المشهد ذاته الذى جرى فى 25 يناير سوف يتكرر مرة أخرى بنصه وظرفه، فلا الشرطة فاقدة الوعى ولا الجيش بعيدا عن الصورة، ولا المواطنين أنفسهم يظنون أى قدر من الخير والوطنية لدى الذين يريدون هدم بلدهم وخدمة قوى خارجية من أجل بضعة دولارات كثرت أو قلت.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة