"المركزي" يسعى لتخفيف ضغوط المستوردين على البنوك المصرية
قرار رفع حد الإيداع النقدى للشركات في البنوك من 50 ألف دولار إلى 250 ألف دولار شهريًا لاستيراد السلع الأساسية خطوة في تحرير التجارة
وصفت قيادات مصرفية ومالية قرار البنك المركزى المصرى الصادر الأسبوع الماضي برفع حد الإيداع النقدى للشركات في البنوك من 50 ألف دولار إلى 250 ألف دولار شهريًا لتغطية عمليات استيراد السلع الأساسية بإنه خطوة في طريق تحرير الأنشطة التجارية.
واعتبروا أن البنك المركزي يسعى عبر هذا القرار لمعالجة التشوهات الناتجة عن قراره السابق بوضع حد أقصى للإيداع عند 50 ألف دولار شهريًا لمحاربة السوق السوداء، خاصةً أن هذا القرار أدى إلى لجوء التجار إلى قنوات بديلة لتدبير العملة الصعبة عبر إنشاء سوق موازية خارجية في عدة أسواق بالمنطقة.
وقد قصر البنك المركزي قرار رفع سقف الإيداع الدولاري على مجموعة من السلع الاستراتيجية، وهي المنتجات الغذائية الأساسية والتموينية، والآلات ومعدات الإنتاج وقِطع الغيار، والسلع الوسيطة، ومستلزمات الإنتاج والخامات، والأدوية والأمصال والكيماويات الخاصة بصناعاتها.
وقد قال اتحاد الصناعات المصرية في بيانٍ رسمي، إن زيادة الإيداع النقدي للسلع إلى 250 ألف دولار شهريًا بدلًا من50 ألفًا يعد قرارًا جريئًا، وسيكون له مردود إيجابي في تحسين معدلات الاستثمار خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن القرار جاء على خلفية التكدس الجمركي للسلع المستوردة بسبب عدم قدرة المستوردين على تدبير الدولار، ومن ثم يعلن هذا القرار بوضوح أن السوق المحلية هي سوق مفتوحة.
وتابع البيان من شأن هذا القرار المساهمة في الخفض من حدة أزمة الدولار، والتوسع في استيراد المنتجات والسلع الأساسية.
وأكد اتحاد الصناعات أنه لن يتم يتوقف عند حدود قرار رفع سقف الإيداع النقدي بالدولار للسلع الأساسية، بل سيواصل المفاوضات مع قيادات البنك المركزي من أجل إصدار مزيد من الإجراءات لدعم الصناعة وتنظيم الاستيراد.
وسبق أن أكد محمد السويدي رئيس اتحاد الصناعات المصرية أن الحد الأقصى للإيداعات الدولارية في البنوك والبالغ 50 ألف دولار أسفر عن معاناة الشركات من صعوبة فتح خطابات ضمان لاستيراد السلع، وذلك في ظل صعوبة تدبير الدولار من السوق الموازية نظرًا لأنهم لن يستطيعوا إيداع أكثر من 50 ألف دولار شهريًا في البنوك.
من جانبها، قالت سهر الدماطى نائب العضو المنتدب لبنك الإمارات دبى الوطنى– مصر، إن الشركات واجهت على مدار العام الماضي أزمات في الإفراج الجمركي عن عددًا من السلع الأساسية مثل الأغذية والأدوية والمواد الخام اللازمة في عمليات التصنيع نتيجة عدم قدرتها على إيداع أكثر من 50 ألف دولار شهريًا في البنوك لمقابلة الواردات.
وتوقعت الدماطي أن تظهر نتائج قرار البنك المركزي برفع الحد الأقصى للإيداع الدولاري سريعًا خلال الأيام القليلة المقبلة، إذ سيعمل على تنشيط فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الاستراتيجية.
وأضافت أن القرار سيُمكّن المستوردين من التغلب على مشاكل البضائع المتكدسة في الموانئ، فضلًا عن تيسيير حركة العمل بالمصانع التي كانت تواجة أزمة في تأمين احتياجاتها من المعدات والسلع الوسيطة المستخدمة في التصنيع.
من جانبها، أوضحت نشوى حسن محللة مالية، بأن هذا رفع سقف الإيداع النقدي الدولاري بالبنوك جاء بشكلٍ أساسي لمعالجة أزمة التكدس الجمركي للبضائع، ومن المتوقع أن يُساهم في تدبير السيولة اللازمة لتغطية 80% من واردات السلع الأساسية.
ولكن اعتبرت حسن أن القرار يحمل بين طياته العديد من الرسائل إزاء سياسات التضييق التي اتبعها البنك المركزي على مدار العام 2015 لمواجهة أزمة تضخم السوق الموازية للعملات الأجنبية.
وأشارت إلى أن قرار المركزي برفع سقف الإيداع إلى 250 ألف دولار شهريًا قد يكون له انعكاسات مُباشرة على ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية بالسوق الموازية في شركات الصرافة؛ لأن المستوردين قد يتجهوا إلي السوق الموازية لتدبير السيولة اللازمة من العملات الأجنبية للوصول إلى الحد الأقصى الجديد للإيداع لتمويل الواردات.
ولعل هذا السبب ما يفسر الارتفاع السريع في سعر الدولار في السوق الموازية بواقع 20 قرش خلال الأيام الثلاث الأخيرة من الأسبوع الماضي، ليرتفع الدولار من 8.55 جنيهات إلى 8.75 جنيهات.
وأرجعت حسن اتخاذ البنك المركزي قرارًا برفع سقف الإيداع الدولاري الآن إلى عودة انتظار عملاء البنوك من المستوردين لفترات طويلة حتى تدبر البنوك التمويل المطلوب من العملات الأجنبية لتغطية الواردات، الأمر الذي تطلب تدخل البنك المركزي لمعالجة هذا الموقف.
وتجدر الإشارة إلى أن انتظار العملاء فترة طويلة للحصول على التمويل هي ظاهرة برزت بعد ثورة 25 يناير 2011، نتيجة تآكل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بسبب تراجع مصادر البلاد من العملة الصعبة مثل انخفاض إيرادات السياحة، وانخفاض الصادرات نتيجة تباطؤ الانشطة الصناعية والزراعية.
ولفتت المحللة المالية إلى أن البنك المركزي كان أمامه خيارين لحل أزمة طول فترة انتظار المستوردين، الأول هو خيار تقليدي يتمثل في طرح المركزي مزادًا استثنائيًا بين البنوك لتلبية جزء من حاجتها من العملات الصعبة، أو اللجوء لحل آخر يعتمد على إفساح المزيد من الحرية للشركات في تدبير الدولار من مصادر أخرى خارج البنوك، ألا وهي السوق الموازية.
وتابعت أن البنك المركزي اختار البديل الثاني نظرًا لضآلة رصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد؛ إذ سجل 16.445 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016.
وأردفت أن هذا الرصيد يكفي لتغطية واردات البلاد لمدة 3 أشهر فقط، ومن ثم ليس هناك مجالًا لتبديد أي حصة من الاحتياطي في إقامة مزاد استثنائي بين البنوك، خاصة أن المركزي ضخ مؤخرًا ملياري دولار في البنوك لتوفير احتياجات العملاء.
وقد لجأ البنك المركزي اعتبارًا من عام 2012 إلى تطبيق آلية المزادات لتدبير احتياجات البنوك من العملة الصعبة، حيث يقيم 3 مزادات أسبوعيًا، ويصل متوسط قيمة المزاد الواحد إلى 38 مليون دولار.
ومع ذلك، أكدت حسن أن البنك المركزي يمضي الآن في مُعالجة التشوهات التي خلفتها سياسات التضييق التي طبقها المركزي العام الماضي مثل وضع سقف للإيداع الدولاري، حيث على الرغم من أن القرار كان يستهدف تقليص حجم السوق الموازية بغرض تقليل حجم الواردات، ولكن مع ذلك ارتفعت فاتورة الواردات.
وبلغت فاتورة الوادرات لمصر العام المالي 2014 - 2015 حوالي 60.8 مليار دولار، مقارنة بـ 60.1 مليار دولار في العام المالي 2013- 2014 وفقًا لبيان ميزان المدفوعات الصادر عن البنك المركزي.
كما تضررت أنشطة الصادرات من سياسات التضييق بعد أن واجه الصناع أزمة في تدبير الدولار من السوق السوداء لاستيراد السلع الوسيطة والمعدات ما ترتب عليه تراجع حجم الإنتاج.
وعلى إثر ذلك هبط إجمالي الصادرات في العشرة أشهر الأولى من 2015 بنسبة 17% مقارنة مع الفترة المماثلة من 2014 بحسب بيانات وزارة التجارة.
وعلى الجانب الآخر، اكتفى أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بالغرف التجارية بالقاهرة بقول، إن قرار رفع الحد الأقصى للإيداع الدولاري لم يحل الأزمات المتعددة التي تواجه المستوردين.
وأضاف أن القرار اقتصر على معالجة أزمة استيراد السلع الاستراتيجية من الأغذية والأدوية والسلع الوسيطة وتجاهل بقية التجار، وفي المقابل يفرض البنك المركزي قيودًا جديدة على المستوردين مثل حظر استيراد 24 سلعة في حالة عدم تسجيل اسم جهة التوريد "المصنع" في مصر.
aXA6IDMuMTQ3LjUxLjc1IA== جزيرة ام اند امز