عشنا ذلك اليوم الذى نجد فيه أرقي كلمات الشعر العربى الرصين مترجمة إلى العامية المصرية..هذه المهزلة احد مفاخر معرض القاهرة للكتاب
لم نكتف بأخطاء المسئولين الفجة في نطق اللغة العربية, ولم نكتف بإهمالها في مناهج التعليم وإسقاطها من عرشها المهيب ولكن عشنا ذلك اليوم الذى نجد فيه أرقي كلمات الشعر العربى الرصين مترجمة إلى العامية المصرية..هذه المهزلة احد مفاخر معرض القاهرة للكتاب هذا العام وهى ترجمة رسالة الغفران تحفة الشاعر ابى العلاء المعرى إلى العامية المصرية، أو بمعنى آخر إلى اللغة المصرية..رسالة الغفران واحدة من أهم واغنى التجارب الإنسانية والإبداعية في الشعر العربى، ولم يكن المعرى فيها شاعرا فقط بل كان فيلسوفا وحكيما حتى ان الكثير من النقاد والمؤرخين اكد ان دانتى شاعر ايطاليا الشهير تأثر بالمعرى وهو يكتب الكوميديا الإلهية..هل يعقل ان يترجم الشعر الفصيح إلى العامية، وهل من المنطقى ان نهبط بمستوى اللغة إلى العامية حتى يفهمها الناس، أم ان نرتفع بالناس حتى يفهموا اللغة الفصحى..في يوم من الأيام غنى المصريون الأطلال وسلو قلبى وأنا لن أعود اليك والنهر الخالد وكليوباترا واراك عصى الدمع وكان الفلاح المصرى البسيط يسمع هذه الأغانى وهو في حقله..وحين غنينا بحبك يا حمار وخش عليا خش والعب تحت الدش واحنا اللى دهنا الهوى دوكو وجدنا من يترجم رسالة الغفران إلى العامية، وقد نجد غدا من يترجم القرآن الكريم إلى اللغة العامية..ان السبب في ذلك كله هو غياب الضمير النقدى الذى فتح المجال امام أسماء مشبوهة وأفكار شاذة ان تقتحم أركان التراث وتدمر كل ما فيه ابتداء بالمقدسات الدينية وانتهاء بثوابت التراث، وهذه البجاحة التى اتسمت بها السلوكيات الشاذة من البعض أدت إلى حالة الارتباك والفوضى التى نعيشها الآن وسوف تفتح مجالات أكثر للتشكيك والعدوان بل والهدم، ولهذا لم يكن غريبا ان تلغى اللغة العربية في يوم من الأيام لتحل مكانها اللهجات العامية أو ان تكتب الحروف العربية بالحروف اللاتينية، ويكون هذا آخر معاقل هذه الأمة التى تخربت بيوتها وآثارها وتاريخها وشخصيتها، ولم يبق غير اللغة التى يجتمع العرب عليها..رسالة الغفران بالعامية جريمة متكاملة الجوانب اذا كان هناك مجتمع ثقافى يدرك مسئولياته .
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة