فى مثل هذا اليوم قبل خمسة أعوام، حضر إلى القاهرة السفير الأمريكى لإقناع حسنى مبارك بتقديم تنازلات للمتظاهرين فى ميدان التحرير
فى مثل هذا اليوم قبل خمسة أعوام، حضر إلى القاهرة السفير الأمريكى المخضرم فرانك ويزنر لإقناع حسنى مبارك بتقديم تنازلات للمتظاهرين فى ميدان التحرير ورغم استجابة الرئيس الأسبق فإن حركة الأحداث على الأرض كانت قد تجاوزت مجرد تنازلات بسيطة وأصبح الهدف هو رحيل مبارك ونظامه وهو طرح تلاقى مع قناعات الرئيس الأمريكى وفريقه فى غرفة مراقبة الوضع فى مصر، بينما تقول هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية، فى ذلك الوقت، إنها التزمت الحذر حيث كانت تؤيد ترتيب عملية انتقال السلطة إلا أن أوباما خرج فى اليوم التالى يتحدث عن ضرورة انتقال «فوري» للسلطة وهو ما يقول كاتب أمريكى أنه منح جماعة الإخوان الضوء الأخضر لتجنى مكاسب ما زرعه غيرها من شباب الثورة المصرية!
مناسبة ما سبق هو سباق انتخابات الرئاسة الأمريكية الذى ينطلق فى مرحلته التمهيدية اليوم. وقراءة السياسة الخارجية الأمريكية فى عهد الرئيس المحتملة كلينتون لن يكون صعبا بالنظر إلى سجل المرشحة الديمقراطية سواء كمرشحة رئاسية وسيناتور سابق عن ولاية نيويورك أو من تصريحاتها فى الحملة الإنتخابية الحالية التى تتسم بقدر كبير من الواقعية.
فى زيارته للقاهرة مؤخراً، سألت القطب الديمقراطى المعروف تونى بودستا، الخبير فى الحملات الانتخابية وشقيق جون بودستا رئيس حملة كلينتون، عن توقعاته لفريق الشرق الأوسط فى حال وصول هيلارى للحكم فى يناير 2017، فرد إن مكسب مصر سيتمثل فى رحيل مجموعة مثيرة للجدل من إدارة باراك أوباما وهؤلاء أثاروا لغطا واسعاً بسبب ضغوطهم على البيت الأبيض للقفز فوق الأحداث فى مصر وتبنى منهج يتجاهل تعقيدات الموقف وهو ما مكن جماعة الإخوان المسلمين من تحقيق مكاسب كبيرة باعتبارها قوة منظمة، بخلاف الآخرين، بعد ثورة 25 يناير. ويتوقع بودستا أن تأتى هيلارى بفريق يعكس السياسة الواقعية وهو ما سيكون مناسبا أكثر لتعقيدات المواقف فى الشرق الأوسط. وقد أكد مقال الكاتب الشهير ديفيد إجناشيوس فى صحيفة «واشنطن بوست» (عدد الجمعة 29 يناير) ما ذهب إليه بودستا من أن هيلارى كلينتون تحمل رؤية واقعية للوضع فى مصر وأنها كانت تضغط فى اتجاه مختلف خلال ثورة يناير يميل إلى التريث فى دفع حسنى مبارك للتخلى عن السلطة حتى لا ينشأ فراغ سياسى لا يمكن احتمال نتائجه ثم تداعت الأحداث وركب الإخوان فوق ظهر الجميع وخرجت هيلارى لتعلن بدء الحوار العلنى مع الجماعة من العاصمة المجرية بودابست فى اليوم الأخير من شهر يونيو 2011. فى هذا اليوم، تلقى كاتب السطور فى أثناء عمله مراسلا فى واشنطن، اتصالا من مساعدة بارزة لكلينتون ترغب فى توضيح الأمر فى تصريحات خاصة لـ «الأهرام» وكانت المساعدة تنتقى كلماتها بعناية فائقة ونبرة صوتها قلقة ولا تعكس ثقة كافية فى المنحى الجديد للإدارة الأمريكية من توقيت اطلاق حوار وكان بادياً أن هناك من يضغط من داخل البيت الأبيض للقيام بخطوة مبكرة عن أوانها ثم كان التطور الأهم بالدفع بالسفيرة آن باترسون لترأس البعثة الدبلوماسية فى القاهرة من أجل الاستفادة بخبراتها فى التعامل مع التيارات الإسلامية أثناء خدمتها فى إسلام أباد. ولم تخيب باترسون ظنون الفريق المتشدد عندما أعلنت فى جلسة الاستماع خاصة بتعيينها فى القاهرة عن تقديم واشنطن تمويلا لنشطاء وجماعات بعد 25 يناير وهو التصريح الذى فتح ملفاً لم يغلق عن التمويل المشبوه.
خروج ديفيد إجناشيوس بمقال عن موقف هيلارى المخالف لموقف الرئيس أوباما يخدم المرشحة الديمقراطية ويضعها على مسافة من توجهات البيت الأبيض المتهم بالارتباك فى مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربى ويحاول تبرئة ساحتها من المشاركة فى سياسة قادت الشرق الأوسط إلى فوضى عارمة. يقول إجناشيوس إن هيلارى أرسلت إلى أوباما تحذيراً تنبوئياً فى يناير2011 بعد أن بدأت الأزمة فى مصر كشفت عنه فى كتاب «خيارات صعبة» عام 2014 وقالت «كل هذا قد يعمل على ما يرام بعد 25 عاما، ولكن أعتقد أن الفترة بين الآن وانقضاء تلك المدة سوف تكون تلك متقلبة جداً بالنسبة للشعب المصري، وللمنطقة، وبالنسبة لنا». رؤية هيلارى كلينتون تميل، فيما يبدو، إلى الاعتقاد بأن مصر هى مركز الجاذبية وصانعة التغيير فى محيطها العربى وترى أن التداعيات الكارثية فى السنوات الأخيرة تحتم التزام واشنطن بسياسة أكثر واقعية فى الشرق الأوسط.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة