عنوان المعرض هذا العام «الثقافة فى المواجهة» لكن زيارة المعرض تؤكد أن الثقافة تحت الحصار!
عاما بعد عام يأتى معرض الكتاب، ومجرد إقامة هذا الحدث انتصار بحد ذاته يؤكد كفاح الثقافة العنيد من أجل البقاء فى واقع متداعٍ.
عنوان المعرض هذا العام «الثقافة فى المواجهة» لكن زيارة المعرض تؤكد أن الثقافة تحت الحصار!
العنوان نية طيبة ورؤية من وزير الثقافة الكاتب حلمى النمنم وفريق هيئة الكتاب بقيادة الناقد الدكتور هيثم الحاج على؛ والنوايا الحسنة تعبير عن الروح الضرورية لكل نجاح، لكننى أختلف مع الرؤية بكل الود الممكن؛ حيث لا أرى أن للثقافة موقعًا على جبهات القتال؛ فهى عمل رهيف ممتد لخلق الوعى على مر الأيام.
وزمنها الأجمل هو وقت السلم، وإدراجها ضمن عتاد الحرب يجعلنا نخسر الثقافة ولا نكسب الحرب، إن كان المقصود بالمواجهة هنا هو مواجهة الإرهاب؛ التى أصر على أنها تتطلب إجراءات إدارية قبل الثقافة، أو لنقل: تحتاج إلى ثقافة الدولة وأجهزتها.
مواجهة لهيب الإرهاب تحتاج دولة كفؤة أمنيًا، إذ لا تستطيع الثقافة استعادة عقل تمت مصادرته. بعد ذلك يأتى عمل التنوير الممتد الذى يتطلب، قبل جهود المثقفين، دولة لديها الحد الأدنى من الوعى من أجل وقف انتشار التطرف الفكرى من خلال تحديث التعليم والإعلام.
وهذا يتطلب التوقف عن استخدام الاستبداد الدينى كورقة للسيطرة والضبط وربما تغييب الجموع عن قصد وتصميم.
يتطلب الأمر بعد كل ذلك أن تكون الثقافة طليقة، لكنها ليست كذلك فى ظل المطاردة التى يتعرض لها ليس فقط الكاتب بل القارئ، إذ نرى بين الحين والحين القبض على أحدهم بتهم حيازة كتاب!.
ويتطلب الأمر فى الحد الأدنى ألا تكون الثقافة تحت الحصار خصوصًا فى معرض الكتاب؛ الظاهرة الأبرز والمناسبة الأكبر خلال العام التى تثبت بقاء الثقافة على قيد الحياة إكلينيكيًا.
للأسف، هذا العام ـ كما فى الأعوام التى تلت ثورة ينايرـ يبدو التحسب الأمنى أكبر مما يتطلبه المعرض، حيث إخلاء مكان انتظار السيارات خارج أسوار أرض المعارض وتقليل عدد بوابات الدخول وتغييرها بين يوم وآخر.
بعد اجتياز صعاب الدخول، نرى الثقافة فى مخيمات إيواء للكتب والندوات، لأن فريق الهدم فى نظام مبارك شاء أن يشمل ببركاته أرض المعارض؛ فكانت سرايات العرض آخر ما تم هدمه فى عهده.
فى الحقيقة كان الهدم أقرب إلى الجريمة السرية التى بدأت فصولها عام 2008، والمبرر «إنشاء مدينة معارض عالمية ـ كايرو إكزبيشن» تم وقتها تكليف المعمارية العراقية زها حديد، بتصميم يربط قاعة المؤتمرات بأرض المعارض من خلال تليفريك.
«عالمية» هى دائمًا الكلمة المفتاح لكل خراب؛ الكلمة التى يتم من خلالها تمرير الهدم من أجل إنشاءات جديدة لا تعنى لسلطة فاسدة عمولات جديدة من شركات الهدم والبناء.
وعندما رشحت المعلومات عن المشروع انطلقت اعتراضات شديدة على مدى عامين على هدم 12 مبنى قيمتها الاقتصادية ستة مليارات جنيه، أما قيمتها المعمارية والتاريخية فلا تقدر بثمن. ولم تفلح الاعتراضات فى وقف الهدم الذى اختتم به مبارك رئاسة ثلاثين عامًا نصفها الأول من الخمول ونصفها الثانى من النشاط المؤذى.
وقد تم فتح ملف تبديد هذه الثروة عام 2013، لكننا نسيناه من بين الجرائم الكثيرة المنسية. وفتحنا ملف نقل أرض المعارض إلى خارج القاهرة، وهذا إن حدث نكون قد نقلنا الكتاب من مخيمات الإيواء إلى المنفى!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة