قلنا مرارا وتكرار إن الحبس الاحتياطى يجب أن يكون «أبغض الحلال»، لكن واقع الحال يقول إن سلطات التحقيق تتوسع فى استخدامه
توالى أخبار تجديد حبس آلاف المحبوسين على ذمة التحقيقات يفرض على أصحاب الضمائر الحية فى مجلس النواب التحرك من أجل تعديل قانون الإجراءات الجنائية لضبط القواعد المنظمة للحبس الاحتياطى بعد أن تحول هذا الحبس من مجرد وسيلة لمساعدة المحقق إلى ما يشبه العقوبة التى تصيب الكثيرين من الأبرياء الذين يمضون شهورا طويلة خلف القضبان قبل أن يصدر قرار إخلاء سبيلهم من النيابة أو حكم براءتهم من المحكمة.
قلنا مرارا وتكرار إن الحبس الاحتياطى يجب أن يكون «أبغض الحلال»، لكن واقع الحال يقول إن سلطات التحقيق تتوسع فى استخدامه لدرجة أن فترة الحبس الاحتياطى قد تتجاوز العقوبة المحتملة للمتهم فى حالة إدانته.
وقد حدث بالفعل مع ياسر على المتحدث باسم الرئيس المعزول محمد مرسى عندما تم القبض عليه بتهمة التستر على هارب فظل رهن الحبس الاحتياطى 11 شهرا تقريبا لتصدر المحكمة حكما بحبسه 6 أشهر فقط وذلك قبل أن تصدر محكمة جنح مستأنف حكما ببراءته.
المفترض ألا تكون سلطة جهات التحقيق فى قرارات الحبس الاحتياطى مطلقة وأن يستند قرار تجديد الحبس إلى أسباب قوية ومحددة على سبيل الحصر وهى ضمان عدم تأثير المتهم على سير التحقيقات فى حالة الإفراج عنه، أو الخوف من هروبه أو عبثه بالأدلة. لكن الواقع يشى بتوسع كبير فى استخدام هذه الوسيلة القانونية إلى درجة جعلتها عقوبة بدون حكم محكمة، فى حالات عديدة.
فقد مر مثلا 100 يوم على حبس الصحفى هشام جعفر احتياطيا ونحو 100 يوم على حبس الباحث اسماعيل الاسكندرانى وأمضت إسراء الطويل 203 أيام تقريبا رهن الحبس الاحتياطى قبل إخلاء سبيلها لأسباب صحية، وهناك مئات وربما آلاف المواطنين البسطاء الذين أمضوا شهورا رهن الحبس الاحتياطى ثم يتم إخلاء سبيلهم أو تتم تبرئتهم من المحكمة ليكتشفوا أنه تم فصلهم من وظائفهم بسبب طول فترة الغياب أو تضررت أعمالهم الخاصة، ناهيك عن المعاناة الإنسانية لهؤلاء المتهمين وعائلاتهم.
فإذا كانت النصوص القانونية الحالية غير كافية لضمان حماية المتهم من التوسع فى استخدام إجراء الحبس الاحتياطى ضده، يصبح واجبا على «برلمان الثورتين» أن يتحرك لوضع نص قانونى منضبط لتنظيم إجراء الحبس الاحتياطى بما يضمن حسن سير التحقيقات من ناحية وقطع الطريق على تحول هذا الإجراء الاحترازى إلى عقاب قد ينزل فى حالات كثيرة على أبرياء.
ولما كانت القاعدة القانونية الأشهر تقول إن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، فإنه على النصوص القانونية والممارسات القضائية ضمان قاعدة أن «المتهم حر إلا إذا اقتضت الضرورة القصوى غير ذلك».
وإذا كانت الحرب على الإرهاب ومواجهة جماعات العنف والتطرف قد فرضت على أجهزة الأمن والتحقيق توسيع دائرة الاشتباه لتقبض على آلاف المشتبه فيهم، فالواجب أيضا تسريع وتيرة التحقيقات وتقليص فترة الحبس الاحتياطى للمتهم أو للمشتبه فيه إلى أدنى درجة ممكنة لأن احتمالات سقوط أبرياء فى دائرة الاشتباه الواسعة فى هذه الظروف تكون أقوى.
أخيرا فالأمل معلق على أعضاء مجلس النواب الموقرين لكى يتدخلوا لإصلاح هذه الثغرة التشريعية التى تفتح أبوابا للمعاناة غير المحدودة للكثير من المظاليم فى الحبس.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة