أهمية ذلك الأداء أنه يأتي في الوقت المناسب بينما هيلاري في أشد الحاجة إليه لاستعادة الثقة، ليس فقط لحجم الهزيمة التي مُنيت بها
بعد يومين فقط من هزيمتها الساحقة في انتخابات نيوهامشير بفارق ٢١ في المائة عن منافسها بيرني ساندرز، وقفت هيلاري كلينتون أمامه في مناظرة جديدة، لتؤكد للجميع أنها لم تنكسر، بل على العكس تماما، قدمت أفضل أداء لها، وربما لأي مرشح رئاسي آخر من الحزبين على مدى سنوات طويلة، على حد تعبير المعلق السياسي المخضرم ديفيد بيرجن.
أهمية ذلك الأداء أنه يأتي في الوقت المناسب بينما هيلاري في أشد الحاجة إليه لاستعادة الثقة، ليس فقط لحجم الهزيمة التي مُنيت بها، ولكن أيضا لما تحمله من أخبار سيئة لحملتها الانتخابية. فقد خسرت صوت المرأة بنحو ١٢٪ وهي التي تعول كثيرا على كونها أول امرأة لديها فرصة حقيقية للوصول إلى البيت الأبيض.
بينما تأكدت أزمتها مع الشباب تحت ٢٩ سنة الذين خسرتهم بفارق نحو سبعين في المائة عن ساندرز، وقد تعمدت أن أكتب الرقم حتى لا يتصور أحد أن الصفر خطأ مطبعي. وبينما كانت تتقدم على ساندرز في الاستطلاعات على المستوي القومي بأكثير من ثلاثين في المائة، إذا بآخر استطلاع يقلص ذلك الفارق إلى نحو ٢٪ فقط، بما يقل عن هامش الخطأ في تلك الاستطلاعات. الأهم أن هذه الأرقام لا تعبر عن الحماس لدى المؤيدين والذي ينعكس في المؤتمرات الانتخابية لساندرز التي ينضم إليها الآلاف، بينما تقف هيلاري وزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون وسط المئات وأحيانا العشرات.
هيلاري إذن في أزمة كبيرة، وهناك كلام كثير عن تغييرات هامة ستتم في إدارة حملتها الانتخابية التي لم تقدّر خطورة ساندرز كما ينبغي منذ البداية، بحيث تبدو هجماتها ضده الآن تعبيرا عن إحباط أكثر منها محاولة لتوضيح صورته للناخبين.
وتراجع هيلاري لا يعود لقوة ساندرز، رغم جاذبية رسالته عن العدالة الاجتماعية لليسار في أمريكا وخاصة الشباب، بقدر ما يرجع لمشاكل خاصة بها هي، أكدت عيوبها كمرشحة. فهناك ما يقرب من تسعين في المائة من الناخبين في نيوهامشير لا يرونها شخصية أمينة أو تحظى بالثقة، وهي كارثة بكل المقاييس لأي مرشح خاصة أنها معروفة جيدا وبالتالي ليس هناك الكثير الذي يمكنها عمله لإعادة تقديم نفسها للناخبين. وعندما بدأ التركيز على كونها أول امرأة تصل لهذه المرحلة في السياسة الأمريكية لحشد الصوت النسائي، خرج تقرير صحفي كارثي في نيويورك تايمز (التي أعلنت دعمها لهيلاري) يوضح أن الفتيات من الجيل الجديد غاضبات بسبب موقف هيلاري من المغامرات الجنسية لبيل كلينتون قبل وبعد توليه الرئاسة، وأنها كانت تحاول إخماد الشائعات عن الأمر للحفاظ على مستقبل زوجها السياسي، وهو أمر يبدو أنه متقبل لدى الأجيال السابقة من السيدات، عنه لدي الجيل الصاعد.
إذن ماذا تفعل هيلاري؟
الخطوة الأولى: الاحتماء بالرئيس باراك أوباما. هذا يبدو غريبا من السيدة التي خاضت ضده منذ ثماني سنوات أعنف معركة في الانتخابات التمهيدية للحزبين عرفها التاريخ الأمريكي. لكن هيلاري تعرف أن أوباما لايزال يحظى بشعبية كبيرة بين الديمقراطيين خاصة السود، لذلك كان مثيرا للانتباه أنها جعلت نفسها امتدادا له في الكثير من القضايا، وللرد على انتقادات ساندرز لها مثل:
الحصول على دعم وتبرعات من الشركات العملاقة في وول ستريت؟ ليكن.. لقد حصل منها أوباما على ما هو أكثر، لكن ذلك لم يمنعه من مواجهتها أثناء رئاسته (تصفيق حاد).
الرعاية الصحية لكل الأمريكيين؟ نعم هذا ما حاوله باراك أوباما وينبغي أن نبني على ما حققه من نجاح لا أن نهدم ما فعله.
السياسة الخارجية؟ لقد عملت مع أوباما كوزيرة للخارجية أربع سنوات لأنه يثق في خبرتي وتقديري للأمور، وهكذا ....
هذا التركيز على أوباما يرتبط أيضا بانتخابات الأسبوع القادم في ولاية ساوث كارولينا حيث نسبة الناخبين السود للديمقراطيين تصل نحو ٥٥٪، لذلك اتهمت ساندرز أكثر من مرة بأنه يريد الانقلاب على سياسات أوباما وهدم إنجازاته، وكررت عبارات قديمة له عن فشل أوباما في عدد من الأمور، وهو ما حاول ساندرز نفيه عن نفسه إدراكا لمغزى ما تقوله هيلاري وآثاره السلبية.
وإذا سارت الأمور بشكل طبيعي ربما ستفوز هيلاري في ساوث كارولينا غالبا بفضل أصوات السود، وهي أيضا ستعتمد على الأصوات المؤثرة للأقليات الأخرى خاصة الهيسبانيك (من أمريكا اللاتينية) في الولايات القادمة.
وقد تتمكن هيلاري من التغلب على عقبة ساندرز في النهاية، ولكن هذا لن يلغي مشاكلها الكثيرة التي ظهرت في الانتخابات التمهيدية مع الشباب أو حتى المرأة، وهو أمر سيصحبها في الانتخابات العامة لو حصلت على ترشيح الحزب. كما أن الجمهوريين نجحوا في إثارة الشكوك حول أكثر مظاهر قوتها وهو خبرتها في الشئون الخارجية، بتكرار الحديث عن فشلها في هجمات بنغازي، ثم فضيحة استخدام إيميل خاص أثناء توليها منصب الوزارة لتبادل رسائل سرية. لذلك فإن المعلق المحافظ تشارلز كراوتهامر ذكر يوما أن الانتخابات التمهيدية الحقيقية هي انتخابات "كومي" نسبة إلى مدير وكالة التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي، الذي سيقرر لاحقا ما إذا كان إهمال هيلاري في قضية استخدام الإيميل الخاص به جوانب جنائية تستحق المساءلة القانونية، وهو لو حدث سيفتح الباب أمام كل الاحتمالات بما فيها أن يقفز نائب الرئيس جوزيف بايدن إلى المعترك الانتخابي بعد أن أعلن عدم ترشحه منذ نحو ثلاثة أشهر.
وهكذا يبدو الموقف غامضا ومثيرا على كل المستويات في الانتخابات التمهيدية للحزبين، بحيث يصعب على أي شخص أن يعلن بثقة عن توقعاته لنتيجتها، إلا إذا كان (يضرب الوَدَع ) أو لا يعرف شيئا عن طبيعة تلك الانتخابات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة