اختزل الكثير من المتابعين العرب للمرشح الديمقراطى بيرنى ساندرز ملامح حملته الانتخابية فى شقها الإيجابى والذى يتحدى وول ستريت
اختزل الكثير من المتابعين العرب للمرشح الديمقراطى بيرنى ساندرز ملامح حملته الانتخابية فى شقها الإيجابى والذى يتحدى وول ستريت ويواجه سطوة المال ورجال الأعمال على المجتمع الأمريكى، وبمناداته بتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية وضرورة إعادة توزيع الثروة والدخل. هؤلاء المتابعون تجاهلوا، عمدا أو كسلا، التعرف على بقية ملامح حملة المرشح ساندرز، وتجاهلوا ما يتعلق بموقفه وتاريخه من قضية العرب الأولى، الصراع مع إسرائيل وحقوق الفلسطينيين. قد يُبرر الشباب الأمريكى المتحمس لساندرز تجاهل قضايا السياسة الخارجية، وعدم اقترابه من خطوط حمراء يدرك خطورتها خاصة تلك المرتبطة باللوبيات المهمة، مثل اللوبى اليهودى، لوبى حق حمل السلاح، ولوبى شركات التصنيع العسكرى، تلك اللوبيات التى ترتبط بعلاقة وجودية، وتبادلية نفعية مع النظام السياسى الذى ينادى ساندرز بالثورة عليه.
لا يمكن إنكار ما يمثله المرشح ساندرز، البالغ من العمر 74 عاما، من ظاهرة جديرة بالمتابعة إذ استطاع خلال شهور قليلة أن يفرض نفسه كمرشح جاد، ويهدد المرشحة القوية هيلارى كلينتون. ونجحت حملة ساندرز رغم وجود عدة عوائق، فهو مغمور ولا يملك المال، واضطرت وسائل الإعلام لتغطية كل تحركاته ومقابلاته وتصريحاته. وكشف مشروع جديد ومعقد GDELT PROJECT لتحليل البيانات الضخمة Big Date، بعد أن جمع وحلل مخازن بيانات وسائل الإعلام الأمريكية الأهم خلال الشهر الأخير أن ساندرز يحل ثالثا بين كل المرشحين من الحزبين ذكرا وتكرارا فى وسائل الإعلام بعد ترامب 35040 مرة، وكلينتون 15587 مرة، وقبل كروز 8596 مرة، وروبيو 6920 بـ 11784 مرة. كذلك حل ساندرز ثالثا بين المرشحين من حيث المتابعين على حسابات تويتر. يبلغ عدد متابعى ترامب 5.9 مليون شخص، وكلينتون 5.2 مليون شخص، فى حين يتابع بيرنى ساندرز 1.2 مليون شخص.
واستطاع كذلك أن يجذب إليه ملايين الشباب من المنتمين للحزب الديمقراطى على الرغم من الفجوة الجيلية الواسعة التى تبعده بنصف قرن عن متوسط أعمارهم. ويدير ساندرز حملة انتخابية ذكية، واقتبس الكثير من تكتيكات حملة الرئيس باراك أوباما عام 2008. ويعد أداء ساندرز حتى الآن مفاجأة سارة له ولمناصريه ولأعداء كلينتون، وللحزب الجمهورى كذلك. ففى ولاية أيوا جاء ساندرز ثانيا بنسبة 49.6% من أصوات الناخبين. وفى ولاية نيوهامشر استطاع ساندرز أن يكتسح كلينتون.
***
خدم ساندرز فى مجلس النواب ممثلا لولاية فيرمونت الصغيرة فى شمال شرق أمريكا بين 1991 ــ 2007، ثم خدم منذ 2007 وحتى الآن كسيناتور فى مجلس الشيوخ عن ذات الولاية. ويعكس سجل ساندرز التصويتى داخل مجلسى الكونجرس معارضة مستمرة وشديدة لمصالح وول ستريت، وهو مطالب دائما بلا نجاح بإخراج المال من السياسية. يصف ساندرز نفسه بالاشتراكى الديمقراطى أحيانا، وبالديمقراطى المستقل أحيانا أخرى، فيما يصفه بعض المراقبين بأنه من أقصى اليسار بالمعايير الأمريكية. ويرفض ساندرز أن يمتلك 1% من الأثرياء ثروات توازى ما لدى 90% من الأمريكيين.
لا يعيب المرشح ساندرز كونه يهوديا، إلا أن إيمانه بإسرائيل كفكرة وواقع وعلاقة خاصة بأمريكا يتخطى ما نألفه من مواقف شبه موحدة من السياسيين الأمريكيين من كلا الحزبين. عاش ساندرز لأشهر فى إحدى المستوطنات فى فلسطين المحتلة فى منتصف ستينيات القرن الماضى للتعرف عن قرب على الفكرة «اليسارية المثالية» حيث يعمل المزارعون والعمال ويعيشون معا. ولا ينكر ساندرز أنه داعم ومؤيد بشكل كامل ومستمر لدولة إسرائيل، على الرغم من المعارضة الخفيفة هنا وهناك. وسجله التصويتى يكشف موافقته على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ويرى أن عدوانها مجرد دفاع عن النفس، لكنه ينتقد فقط الاستخدام المفرط فقط!.
كما يعكس سجل ساندرز فى قضايا السياسة الخارجية تناقضا غريبا، فقد دعم حرب إدارة بيل كلينتون ضد صربيا عام 1999، ودعم غزو إدارة جورج بوش لأفغانستان عام 2001، فى حين عارض حرب الخليج عام 1991، وعارض غزو العراق 2003، ويؤيد اليوم الحملة الجوية العسكرية داخل العراق وسوريا.
ولا تعكس ملامح سياسة ساندرز الخارجية توجها ثوريا على الثوابت الأمريكية المعروفة، بل تعكس مرشحا وسياسيا برجماتيا غير معارض للحروب، شأنه شأن الرئيس الحالى باراك أوباما. ويرتبط بما سبق تجاهل لا تخطئه العين من حملة ساندرز تجاه موقفه من الميزانية العسكرية أو طرق الإنفاق العسكرى، واشتبك ساندرز فى معارك عديدة كى تكون ولايته مقرا لمصانع المقاتلة العسكرية F35، والتى ستتكلف 4.2 مليار دولار. كذلك صوت ساندرز دوما موافقا على المخصصات المالية الضخمة للبنتاجون، وصوت كذلك على تمويل الحروب التى عارضها.
***
على عكس عادتها، أعلنت مجلة «The Nation ذا نيشان» والتى تمثل عقل وقلب اليسار الأمريكى دعمها لساندرز رئيسا لأمريكا. وذكرت المجلة فى افتتاحية التأييد أن المرشح ساندرز استطاع أن يحول بالفعل دفة السباق الرئاسى داخل الحزب الديمقراطى، معتمدا على مطالبه القديمة بضرورة تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية. ورأت المجلة أن ساندرز استطاع إلهام كثير من الفقراء والعمال عن طريق المطالبة بإصلاح هيكلى لنظم الرعاية الصحية بحيث تدفع الدولة جميع التكاليف، ومن أجل تعليم جامعى مجانى، ومن أجل حد أدنى للأجور يبدأ من 15 دولارا فى الساعة، وتقويض البنوك الكبرى، وضمان أن يدفع الأغنياء نصيبهم العادل من الضرائب. إلا أن المجلة العريقة صمتت تجاه سجل ساندرز فيما يتعلق بحق حمل السلاح، فساندرز له موقف غير مفهوم من قضية حق حمل السلاح فى أمريكا يناقض كل يساريته الفكرية. فهو لا يعارض هذا الحق، لكنه يريد وضع بعض العقبات بما يبطئ فقط شراء المواطنين للأسلحة الفتاكة. وحتى اليوم لا يستطيع ساندرز الخروج من قوقعة الناخبين البيض التقدميين والشباب الجامعى والمثالى، ولا يستطيع بعد التواصل الجاد مع الناخبين من أصول أفريقية ولاتينية وأسيوية، والذين باتوا يشكلون الدوائر الأساسية الأهم للحزب الديمقراطى.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة