ووفق القناة العبرية، فإن المصالحة الفلسطينية ستؤدي إلى ازدياد فاعلية الدور التركي فلسطينياً، ومنع إسرائيل من مهاجمة قطاع غزة
يشكل الانقسام السياسي في الوضع الوطني الفلسطيني، الأساس الذي انبنت عليه كل الانقسامات الأخرى التي أفرزت حالة التفتت وصيغ التشتت السياسي الأخرى كافة، وهي التي ما زالت مستمرة، وستبقى العنوان الأبرز لحالة الانقسام وللحالة «الحوارية» التي تبرز بين الحين والآخر، في محاولة للقول «أننا نحاول ولكننا لا ننجح»، في تجاهل واضح لعمق الانقسام السياسي السلطوي لدى طرفي أو أطراف النظام السياسي الفلسطيني، وها هي كل أطراف هذا النظام تعود من جولات الحوار، كما في كل مرة، إلى «المربع الأول»، من دون الاستفادة من خبرات الماضي، لإدراك عمق الخلل أو مجموع عناصر الخلل التي باتت تحيط بالوضع الوطني الفلسطيني.
على أن ضعف عناصر المشروع الوطني، وعجزها عن رد الضربات المنافسة، أو المعادية، ولّدا أو أنتجا عناصر مشروع آخر هو «المشروع الإسلاموي» الذي دخل منافساً شرساً على السلطة، وما نبت في ظلاله في ما بعد، من فطريات سامة لمشروع أو مشاريع أكثر تطرفاً و «إسلاموية»، لكن أكثر توحشاً، وتدميراً لكل بادرات معالجة الانقسام السياسي أو الجغرافي.
مثل هذا الوضع ترتاح له القوى المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني المشترك أو الجامع، وإذا لم يستعد النظام السياسي الفلسطيني وحدته، سيبقى الانقسام والتفتت سيّدا المراحل كلها، وسيّدا إضفاء طابع أكثر إبهاتاً على المشروع الوطني، مع ما يحمله ذاك الإبهات من عناصر تخريبية، ليس للنظام السياسي، بل وللمشروع الوطني نفسه، فيما المشاريع الأخرى الرديفة أو النقيضة، هي الأخرى أكثر إبهاتاً، والانقسامات فيها حاضراً ومستقبلاً أكثر استشراء واستشراساً، بخاصة لجهة محاولاتها التقدم صوب السلطة السياسية والمجتمعية والهيمنة عليها، كونها كما في تهيؤاتها ربيبة مشروع سلطوي «رباني» أو «إلهي»، تعتقد أنها هي رائدته وطليعته، بغض النظر عن سمات الواقع وتحققاته المفترضة أو المتخيلة، من هنا تجاوزها كلَّ القيم والأخلاقيات والضوابط والمعايير الوطنية والسياسية والاجتماعية، وقفزها الدائم على الحقائق والوقائع، وإشغال ذاتها في ما يخدم مشروعها الشمولي السلطوي والتسلطي. ولا يبدو أن حوارات الدوحة، كانت بفعل أو بدوافع ذاتية لدى القائمين بها (فتح و «حماس») بمقدار ما كانت بدوافع ولمصالح إقليمية، في تجاهل واضح لبقية أطراف الصف الوطني الفلسطيني، وتجاهل فاضح لمصالح الكل الفلسطيني وتطلعاته. وفي هذا السياق، تمكن العودة إلى ما ذكره المراسل السياسي للقناة العبرية التلفزيونية الأولى، من «أن حوارات الدوحة بين حماس وفتح، تمت بضغط تركي على قطر وحماس، للوصول إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية، حتى تسهل عودة العلاقات وتطبيعها بين تركيا وإسرائيل».
ووفق القناة العبرية، فإن المصالحة الفلسطينية ستؤدي إلى ازدياد فاعلية الدور التركي فلسطينياً، ومنع إسرائيل من مهاجمة قطاع غزة، فيما ستؤدي إلى تطبيع العلاقات التركية - الإسرائيلية، وحصول تركيا على نصيبها من الغاز الإسرائيلي، بعد مشاكلها مع روسيا التي تعتبر المورد الرئيسي للغاز إلى تركيا.
هكذا، مع انهيار «الأجواء الإيجابية» التي ما كادت تهيمن لساعات، حتى اتضح أن الفجوة بين طرفي «الحوار» عميقة وعميقة جداً، وهي تعود في أصولها ومرجعياتها ومنازعها إلى نزوع الهيمنة السلطوية لدى طرفي النظام السياسي، في تجاهل واضح لبقية أطرافه التي ارتضت عبر صيغ المحاصصات الجائرة أن تكون عناصر فئوية وفصائلية، من دون شراكة كاملة في مؤسسات النظام السياسي، ومسببات هذا الأمر قديمة، قدم نشوء مؤسسات الحركة الوطنية الفلسطينية، وقيامها على التفرد والأحادية، وعدم احترام الديموقراطية، وترذيل التعددية، ونبذ الروح المؤسساتية في مؤسسات يفترض أنها للكل الوطني، وليست لحزب حاكم، أو لحركة أو حركات استمرأت الهيمنة وسيلة للتسلط والاستبداد. وإذا كانت كل الصيغ السابقة والجديدة أو المتجددة، فشلت وتفشل في كسر حدة الخلاف والانقسام السياسي والجغرافي، وتقاسم النظام السياسي حصصاً ومغانم فئوية وفصائلية، فإن بقاء الوضع على حاله، سيبقى يعرّض الحالة الفلسطينية للمزيد من الخسائر الفادحة، ليس في مواجهة العدو، ولكن في مواجهة الذات والواقع الذي يجري تكييفه للأسف في غير ما يتطلب الوضع الوطني، الآخذ في الانحسار بكل ما يحمله ذلك من أخطار انحسار المشروع الوطني، واستمرار الضرب فيه ومواصلته، من جانب مشاريع إسلاموية متضادة ومتعادية بطبيعتها وطبعها.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة