بينما نقترب من "وقف الأعمال العدائية"، علينا أن نعترف بأنه لا يمكن أن يكون هناك منتصرون في الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا
مع تعهد (رئيس النظام السوري بشار) الأسد بـ"استعادة" كامل البلاد، وحصار حلب شبه الكامل، يبدو أن الزخم مع النظام، ونحن نقترب من الذكرى الخامسة للصراع السوري بدأ هذ العام ببصيص من الأمل، حيث إن القوى العالمية التي وافقت على عملية السلام في فيينا، ربما لديها شيء لعرضه. لكن حملة روسيا الجوية المستمرة منذ أشهر، قد قصفت الوضع على الأرض إلى مرحلة جديدة. ومع ذلك لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الخطاب والواقع عندما يتعلق الأمر بالوضع الحالي.
يجب أن نكون جميعا واثقين، بشأن حقيقة أنه لا عودة إلى سوريا ما قبل عام 2011، بالأحرى، نواجه سوريا منقسمة مفتتة في المستقبل. الأسد لن يكون قادرًا أبدا على ممارسة السلطة، كما فعل فيما مضى، وهناك أوجه شبه واضحة مع إرث الحرب الأهلية في لبنان الجارة الغربية لسوريا، وفي الآونة الأخيرة مع إرث الجارة الشرقية العراق.
شهدت لبنان الذكرى الـ11 لاغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط. وبالإضافة إلى هذا الافتقار الفاضح للمساءلة، لا تزال البلاد بدون رئيس، والانقسامات شبه الهيكلية في النظام السياسي الرسمي، تعني أن الأعمال الأساسية لفن الحكم -مثل جمع القمامة- ثبت أنها صعبة إلى أبعد حد.. بمعنى أكثر إيجابية، الهياكل السياسية في لبنان، ما زالت قادرة إلى حد كبير على معالجة الخلاف نحو الجمود، بدلا من العنف.
الدولة العراقية، انهارت تماما بعد الغزو عام 2003، والهيكل السياسي الجديد الذي ظهر فيدرالي ويقوم على نقل السلطة على نحو أكبر- بشكل أكثر وضوحا للحكومة الإقليمية الكردية، ولكن أيضا لمدن ومناطق البلاد الأخرى.
الدولة السورية لم يتم انهيارها بهذه الطريقة، ولكنها بالأحرى قد انسحبت من أجزاء واسعة من البلاد في مواجهة كل من المعارضة الداخلية، والجماعات العابرة للحدود (متعددة الجنسيات) مثل داعش، في المقابل، فكرة أن الأسد يمكنه إعادة فرض السلطة المركزية من دمشق عبر المناطق، التي شهدت حكما ذاتيا لفترات، طموحة وغير واقعية على وجه التحديد.
انعدام الثقة بين النظام السوري والفروع المختلفة للمعارضة، سيقود إلى بعض التوافق في نهاية المطاف باعتبار أن أحد الجانبين من المستحيل أن يُهزم تمامًا. الأمريكان قد تعلموا هذا من خسائر أفغانستان والعراق مع وجود طالبان (المتمردة الآن)، والتمرد ما بعد صدام.
تفاخر الأسد باسترجاع البلد بأكمله، هو خطاب قوي، ولكن هذه الأماكن ليست ما كانت عليه فيما مضى، ولا نفس الأشخاص يعيشون هناك. عندما استعادت القوات العراقية السيطرة على الرمادي في بداية العام، تم تدمير 60٪ من المدينة بخسائر تقدر بالمليارات. حلب كانت مركز سوريا الاقتصادي فيما مضى، ولكنها الآن صورة محطمة، لما كانت عليه سابقًا، وذلك قبل بداية أي حصار أو هجوم بري مطول.
ثقة الأسد التي ظهرت حديثا، والوضع الاستراتيجي أيضا ينبغي دراستهما عن كثب. أولا كانت الطائرات الروسية، وليس الطائرات السورية التي غيرت ميزان القوى. ثانيا القوات البرية لم تكن تتشكل فقط من القوات السورية، وإنما هي مزيج هجين من القادة الإيرانيين و"حزب الله" والميليشيات العراقية والأفغانية، وحتى بحسب تقارير، القوات الشيشانية الخاصة.
بينما نقترب من "وقف الأعمال العدائية"، الذي وافقت عليه واشنطن-موسكو، علينا أن نعترف بأنه لا يمكن أن يكون هناك منتصرون في الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا، وبدلا من ذلك فقد انحدار إلى الهاوية، بطريقة من يخسر أقل. خلال خمس سنوات، 11.5٪ من (سكان) البلاد إما قتلوا أو أصيبوا، ما يقرب من 50٪ أجبروا على ترك منازلهم، وتراجع متوسط العمر المتوقع إلى 20 عاما، وتقلص الاقتصاد إلى النصف. مأساة سوريا تبدو مرشحة للاستمرار، بغض النظر عن خطاب المسؤولين عن الفوضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة