ظهر جورج "دبليو" بوش بعد سبع سنوات من الغياب شغلها في الرسم واللعب في مزرعته بتكساس، وحاول فيها تفادي الدخول في أي جدل
أخيرا ظهر جورج "دبليو" بوش بعد سبع سنوات من الغياب شغلها في الرسم واللعب في مزرعته بولاية تكساس، وحاول فيها تفادي الدخول في أي جدل حول الأمور السياسية داخلية كانت أو خارجية. لذلك فلا بد أن يكون هناك أمر جلل يدفع بالرئيس السابق ليطل برأسه من جديد. عاد دبليو هذه المرة كما يقول لسببين: إنه مهتم بأخيه الأصغر، ومهتم بأمريكا. لكن دعنا الآن من اهتمامه بأمريكا، فهو لا شك كان مهتما بها خلال السنوات الماضية لكن ذلك لم يكن كافيا لظهوره الجديد. فقد خرج الآن في مهمة عائلية أو عملية إنقاذ. فشقيقه الأصغر جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا الأسبق يكاد يكون في غرفة العناية المركزة سياسيا، بعد أن فشلت حملته الرئاسية حتى الآن في جذب التأييد الجماهيري المطلوب رغم ما جمعه من أموال الداعمين المرتبطين بعائلة بوش الأب والابن والآن الأخ.
جيب فشل بما يقترب من الفضيحة في انتخابات ولاية أيوا لاختيار مرشح الحزب الجمهوري، ثم جاء حاكم نيوجيرزي كريس كريستي ليسدد طعنة قوية للسناتور ماركو روبيو منافس بوش الأول في المناظرة التي سبقت انتخابات ولاية نيوهامشير، فتمكن بوش من التنفس قليلا وصعد إلى المركز الرابع متقدما بفارق ضئيل للغاية عن روبيو.
لكن كريستي أوقف حملته الانتخابية وأصبح على بوش أن يعتمد على نفسه. ومن يتابع المناظرات ويرى الاشتباكات العنيفة بين بوش ودونالد ترامب قد يتصور أن المنافسة بينهما، وهذا غير حقيقي. فبوش يهاجم ترامب وعينه على روبيو، وهو عندما يتحدث عن معاركه مع ترامب يحرص على التأكيد أنه الوحيد الذي يواجهه من بين المرشحين الآخرين (أيضا يقصد روبيو، وإلى حد ما جون كاسيك حاكم ولاية أوهايو).
السبب هو أن هناك منافسة على الأصوات المناهضة لترامب بين الثلاثة (بوش، روبيو، كاسيك) وثلاثتهم محسوبون على مؤسسة الحزب. وبوش يسعى للحصول على المركز الثاني في الولاية القادمة (ساوث كارولينا) بعد ترامب أو على الأقل أن يأتي ثالثا بعد المرشح المحافظ تيد كروز لكي يزيح منافسيْه الآخريْن. لكن لا شيء ينفع مع جيب. فروبيو الذي ترنّح أمام كريستي في المناظرة السابقة عاد ليبدو قويا في غياب كريستي في المناظرة الأخيرة وبدأ يستعيد عافيته واهتمام الناخبين والداعمين لحملته الانتخابية. آخر استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن ترامب يتقدم السباق بما يزيد على ثلاثين في المائة يليه تيد كروز بفارق كبير ثم ... نعم ... يأتي روبيو بنحو ١٤٪ ثم كاسيك فبوش بنحو ١٠٪. لو انتهت الانتخابات بعد أربعة أيام لهذه النتيجة فعلى بوش السلام، إذن ماذا يفعل؟.
أحد مؤيديه والمتبرعين لحملته الانتخابية اتصل به وأسمعه ما لم يكن يتمنى الاستماع إليه، وطلب منه أن يُظهر قوة أكبر وحسما في شخصيته.. وطلب منه أن يغير نظارته الطبية التي تزيد من نعومة مظهره. فزاد بوش على النصيحة وخلعها تماما ليبدو بشكل أكثر خشونة ولكن غير معتاد لمن يرتدي نظارته لسنوات طويلة.
لكن الحل الآخر الأكبر لبوش كان بالعودة لأسرته طالبا الدعم. كان جيب يحاول دائما أن يبدو بأن له شخصيته المستقلة وقلما تحدث عن أسرته. ولكن اسمه الأخير كان دائما يلاحقه ويذكّر الناس بأنهم أمام "أسرة ملكية" وطالما كان أمامهم خيار آخر، فما الداعي للعودة إلى الماضي بكل مشاكله من غزو العراق إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
هنا كان على بوش أن يعترف بأنه لن يستطيع الهرب من اسمه الأخير، وربما عليه الآن أن يستند إليه. لم يكن ذلك ممكنا في ولايتي آيوا ونيوهامشير، لكنه الآن مقبل على ولاية ساوث كارولينا الجنوبية التي كثيرا ما يقال إنها جيدة مع آل بوش، وإن دبليو لا تزال لديه شعبية تصل لثمانين في المائة بين الجمهوريين فيها، فتم استدعاء الشقيق الأكبر لعل وعسى، وخرج الاثنان معا في مؤتمر انتخابي حاشد تحدث فيه دبليو عن خبرة شقيقه الأصغر وقوته كحاكم سابق لولاية كبيرة، وردا على انتقادات ترامب له بالضعف، قال بوش إنه يعلم بحكم تجربته أن الشخص الأقوى داخل الحجرة ليس دائما الأعلى صوتا (في إشارة إلى ترامب).
لكن هل تنفع المناورة؟
الإجابة: ربما.. فلا أحد يعلم يقينا حجم تأثير ذلك، لكنه لن يضر في كل الأحوال.
إلا أن ترامب لم يقف مشاهدا، فقد هاجم الأخويْن بقوة، واتهم بوش الكبير بالكذب بشأن أسلحة العراق ذات الدمار الشامل لتبرير غزوه الكارثي كما يصفه. وبينما يحب الجمهوريون القول إن بوش أبقى البلاد في أمان يأتي ترامب ليذكرهم بانهيار برجيْ مركز التجارة العالمي في عهده.
ترامب إذن المرشح غير التقليدي لن يلتزم بما يطرحه خبراء الحملات الانتخابية لما يقال أو لا يقال، وقد ساعده ذلك حتى الآن في جذب الاهتمام وإعجاب الناخبين بجرأته وصراحته في التعبير عما يودون الاستماع إليه سواء ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية أو المسلمين في أمريكا أو غيرها من القضايا.
أما جيب فيكفيه أن أقصى أحلامه الآن أن يتقدم على روبيو للمركز الثالث، بينما تضعه استطلاعات الرأي في المركز الخامس، وهو لو حدث في الانتخابات سيكون إعلانا مبكرا لنهاية حملة توقع الكثيرون في بدايتها أنها ستنتهي إلى البيت الأبيض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة