معنى كل ذلك أن سباق التسلح المحموم فى تلك المنطقة ستزداد وتيرته وكثافته بشكل واضح فى المستقبل المنظور.
الصاروخ البالستى طويل المدى الذى اختبرته كوريا الشمالية كان كاشفًا حجم التوتر فى آسيا. فقد صدرت بعد إطلاقه مباشرة إدانة من الأمم المتحدة، فضلا عن تحركات فورية من عدد من الدول، كان أولها بالطبع كوريا الجنوبية. فهى أعلنت عن فتح محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن نشر نظام دفاع صاروخى لحماية أمنها القومى، ودعت بعض صحفها الرئيسية لامتلاك السلاح النووى لردع الجارة الشمالية. أما اليابان، فقد صرح وزير خارجيتها بأن بلاده بصدد فرض عقوبات على كوريا الشمالية، دون انتظار لما سوف يقرره مجلس الأمن الدولى. وتلك ليست المرة الأولى التى تفرض فيها اليابان منفردة عقوبات على كوريا الشمالية. والتوتر مع كوريا الشمالية هو السبب الرئيس لدعوة بعض التيارات السياسية فى اليابان لضرورة امتلاك بلادهم السلاح النووى.
لكن اختبارات الأسلحة من جانب كوريا الشمالية ليست المصدر الوحيد للتوتر فى جنوب آسيا. فهناك توتر لا يقل خطورة يأتى على خلفية صراعات متعددة بين عدد من دول المنطقة والصين، التى تعتبرها تلك الدول مصدرا رئيسا يهدد أمنها القومى. فالارتفاع المطرد فى الإنفاق العسكرى للصين فى الثلاثين عاما الأخيرة يثير قلق تلك الدول من الهند والفلبين وفيتنام إلى اليابان وأستراليا.
وفى هذا السياق، جرت تحركات متعددة فى الأسابيع الأخيرة. فقد أجرت الهند استعراضا لأسطولها الحربى بقطعه المختلفة، بينما يستعد سلاح حرس الحدود اليابانى والأسترالى والفلبينى والأمريكى لعقد اجتماع مشترك هو الأول من نوعه لمناقشة التنسيق المشترك بينهم فى مواجهة الصين. وقد جاء الإعلان عن ذلك اللقاء بعد أن كانت وزارة الدفاع اليابانية قد أعلنت أن سفينة تجسس صينية اقتربت من المياه الإقليمية لليابان للمرة الثانية. ويأتى لقاء حرس الحدود هذا فى سياق من التنسيق الأمريكى اليابانى المشترك مع كل من الهند وأستراليا والفلبين وفيتنام لمواجهة تحركات الصين فى جنوب وشرق بحر الصين. والمعروف أن لكل من فيتنام والفلبين نزاعاتٍ مع الصين. وقد وقعت الدولتان على «شراكة استراتيجية» بينهما فى نوفمبر الماضى لتعميق التعاون العسكرى، بينما وقعت الفلبين واليابان فى الشهر نفسه اتفاقا يعزز التعاون العسكرى. والصراع مع الصين يسهم بقوة فى مساعدة رئيس الوزراء اليابانى فى مسعاه الرامى لتغيير الدستور بشكل يرفع الحظر المفروض على استخدام اليابان لقوتها العسكرية فى النزاعات الدولية. وقد ارتفعت ميزانية الدفاع اليابانية، وفقا لرويترز، لتصل إلى 42 مليار دولار.
المفارقة أن كوريا الجنوبية وحدها هى الدولة التى كانت حتى قريب لا تعتبر الصين تهديدا لأمنها القومى، بل بدأت فى تحسين علاقاتها معها. وقد تطورت علاقات البلدين فى السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا فى الجوانب الاقتصادية والتجارية. غير أن اختبار كوريا الشمالية للصاروخ البالستى أدى لتوتر العلاقات بين البلدين والتراشق اللفظى بينهما. فإعلان كوريا الجنوبية عن فتح محادثات مع الولايات المتحدة بشأن نشر نظام دفاع صاروخى أغضب الصين التى استدعت فورا سفير كوريا الجنوبية لتخطره بمعارضتها القوية لتلك الخطوة. فالصين ترفض بالطبع وجود نظم أسلحة أمريكية متقدمة قرب حدودها، وتسعى للحفاظ على الهيمنة فى محيطها الإقليمى، بينما ترى كوريا الجنوبية أن الصين لم تفلح فى إثناء كوريا الشمالية عن مساعيها النووية، وطالبت الصين بالكف عن التدخل فى سياستها المتعلقة بأمنها القومى.
معنى كل ذلك أن سباق التسلح المحموم فى تلك المنطقة ستزداد وتيرته وكثافته بشكل واضح فى المستقبل المنظور.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة