أنقذ الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة، الحكومة المصرية؟، بل والدولة المصرية، من فضيحة جديدة
أنقذ الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة، الحكومة المصرية؟، بل والدولة المصرية، من فضيحة جديدة، كانت
مع أصداء ما جرى للباحث الايطالى جيني، سوف تجعل من الأداء المصرى «عبرة» ـ بكسر العين وتسكين الباء ـ ونموذجا لفشل الأداء، أثبت الدكتور نصار أنه رجل قادر على اتخاذ القرار، وهوالنوعية المفتقدة تماما فى الأداء التنفيذى المصري. كنا ومعنا، الاوساط الاكاديمية والعالم قد استيقظنا على واحدة من من نوادر الاداء المصرى التنفيذي، المثير للتساؤل والعجب، حتى ليخيل إليك أن هناك خطة منظمة لوضع مصر بإطار مقصود أن تبدو عبره بصورة محددة .
كانت جهة ما فى وزارة التعليم العالي، اسمها على ما أتذكر قسم جمع المعلومات، أوشيء من هذا القبيل، قد أرسلت بخطاب إلى جامعة القاهرة، والى كلية الآداب جامعة القاهرة، تحديدا قسم علم النفس، تطالب كلية الآداب ان تقوم بارسال خطاب استدعاء الى الباحثة «خلود صابر محمد بركات» التى تدرس الدكتوراه فى جامعة لوفان الكاثوليكية ببلجيكا، فى منحة شخصية مقدمة من هذه الجامعة للباحثة، سافرت إليها الباحثة فى اول اكتوبر 2015، بعد ان حصلت على موافقة القسم والكلية وجامعة القاهرة، لتفاجأ الباحثة بخطاب يصلها من كلية الآداب يطالبها بالعودة فورا، وقطع الدراسة، لان هذه الجهة المعلوماتية رأت أن «ترجع فى كلامها»، وأنها غير موافقة على سفر الطالبة بعد مرور عدة أشهر على سفر الطالبة!!.
ضع جانبا كل كلام منطقى وتخيل الصورة، ناهيك بالطبع عن تسرب فكرة استقلال الجامعة وتدخل الجهة المعلوماتية و.. و.. وفكر فى الكيفية التى استجابت بها كلية الآداب وقسم علم النفس، وكيف تم بالفعل إرسال خطاب تسلمته الباحثة فى أول فبراير يطالبها بالعودة فورا إلى مصر.
جرى هذا الهزل بالتزامن وفى نفس توقيت ما جرى للباحث الايطالى جيني، والتداعيات التى استتبعت ما جرى من خطابات مفتوحة وجهها ما يقرب من مائة أستاذ أكاديمى من شتى جامعات العالم، وثلاثة خطابات وجهتها الميسا، وهى أقدم منظمة دولية تضم جميع أقسام الدراسات الشرق اوسطية فى أوروبا وأمريكا، (إلى رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ووزير الداخلية) علاوة على خطاب تحذيرى موجه إلى كل باحثى الدراسات الشرق أوسطية، بتجنب السفر إلى مصر، البلد التى يمنع فيها الباحثون من الدخول والخروج والتى شهدت مؤخرا مقتل باحث هارفارد الشاب، و.. و.. وسط كل هذه الاجواء جاء الخطاب العجب من قسم المعلومات بوزارة التعليم العالي، لتكتمل الصورة وتتأكد من أن مصر وعلاقتها الطاردة بالباحثين لم تعد بحاجة لدليل، فها هى جهة معلوماتية، وهواللفظ المعدل لمعنى الاستقصاء المباحثي، ترى خطورة فى سفر باحثة شابة، سافرت بالفعل، وهي، اى هذه الجهة تريد أن تصحح خطأها أمنيا.. طبعا واقعة صارت أمثولة ودليل، استكملت الصورة المتردية التى يروج لها عن مصر، وثار كل من امتلك ذرة من العقل وانحاز إلى الباحثة التى أعلنت ـ ومعها كل الحق ـ أنها لن تعود وسوف تستخدم كل قواها وادواتها لتقاوم، وأنها لجأت إلى القضاء لتحصل على حقها.
بالتأكيد لست بحاجة لوصف التوابع لحكاية الباحثة خلود، على المستوى العام والاكاديمي، مصريا ودوليا، ولا التردى فى المنطق اوافتقاد الرؤية.. لكن حصلت المعجزة وجاء القرار بعد أسبوعين، من رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار، باعتبار الخطاب الذى تسلمته الباحثة خلود محمد والذى يطالبها بقطع المنحة والعودة، كأن لم يكن، وان تستمر فى البعثة، وان تحصل على جميع حقوقها المادية، وعلى كل الجهات المعنية تنفيذ القرار. الجميع كان يدرك ان الباحثة لن يخذلها لا ارادتها ولا القضاء، وانها ستصل الى حقها، لكن المهم هنا هو وجود مسئول قادر على اتخاذ القرار، وعدم الاختباء وراء السواتر البيروقراطية، وإنقاذ الباحثة وإنقاذ البلد من كارثية مثل هذه النوعية من التوجهات، التى تهدم، وعكس مسارات مخيفة، ندفع إليها، نحن والبلد. قرار الدكتور جابر نصار، يعكس اهمية ما نفتقده فيمن يتولون مسئوليات البلد الآن على اصعدة عديدة»، وأعنى القدرة على اتخاذ القرار، والبطء الشديد فى اتخاذ الموقف الواجب، كما جرى مع واقعة الباحث الايطالى ومقتله، حتى تحولت الواقعة وإنقاذ كرة ثلج تتدحرج، جامعة تداعيات يصعب إيقافها، نتيجة الصمت من الجهات المعنية، والتباطؤ و.. و.. قرار دكتور نصار، بايقاف كارثة حقيقية، يستحق الاشادة والتشجيع فعليا ليس لانه أنقذ مستقبلا، ولكن لانه أنقذ البلد من توجه مخيف، وأيضا لانه لابد أن يكون مثالا، لا يمكن ان نستمر مع فئة المسئولين المشلولة إرادتهم، فلا معنى لتولى مسئولية دون قدرة على اتخاذ القرار.
الحق أيضا أن الدكتور جابر نصار يخوض حربا حقيقية وحده، حربا كان ينبغى على جهات عديدة ان تؤازره وتدخلها معه.. رئيس جامعة القاهرة امتلك شجاعة تفتقدها عديد من جهات الحكومة بمواجهة فعليه لجذور هيمنة الارهاب، واتخذ أكثر من قرار لابد للمجتمع ان يقف وراءه، وآخر قراراته منع النقاب بالنسبة لطبيبات وممرضات مستشفيات جامعة القاهرة، بعد القرار الذى أيدته المحكمة بمنع التدريس بالنقاب، والمراقب لخطوات رئيس جامعة القاهرة لا يمكن إلا أن يحييه وأن يسانده، هذا رجل قادر على اتخاذ القرار وهو عملة نادرة فيما نراه من حولنا من مسئولين، هذا رجل يملك رؤيا، واضحة للمسار الذى يسعى اليه، وهو قادر على ان يخطو ويتحمل التبعات، لا يرصخ ولا يهاب التهديدات، وكم تلقى من تهديدات من أرقام مجهولة بعد أن قرر أن يكون للصلاة مسجد يليق بديلا عن زوايا مبعثرة.. رئيس جامعة القاهرة، يستعيد للجامعة وجهها الطبيعي، المتوازن، يستقدم الفنانين والمثقفين (يقيم حفلات مجانية لمحمد منير فى شهر مارس وهانى شاكر) ويدعوالحبيب الجفري، ويدخل عش الدبابير، ويعلن حربا ضروسا على المتاجرين بالعلم، وينهى مملكة »بين السرايات« للملازم، رمز العلم البائس وتجارة حفنة من الاساتذة، ويتواصل بنفسه على صفحة باسمه على الفيس بوك، وبشكل يومى أنا استغربه.. الدكتور جابر نصار يعيد إلينا الثقة فى أن الرجال القادرين على اتخاذ القرارات، لم يشحوا من البلد ولا صاروا كالعنقاء والخل الوفي، وأن علينا أن نسعى اليهم ونوليهم، والاهم الانتركهم يحاربون معاركنا، وحدهم، على غرار اذهب أنت وربك فقاتلا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة