كل ما كتب عن المرأة وفيها ولها وضدها كان عن طريق الثقافة الذكورية المستبدة في توزيع الأدوار الاجتماعية
ظلت المرأة في الثقافات التقليدية كيانًا خارج كيانها، تحولت إلى كل شيء لكنها قلما تحولت إلى إنسان مكتمل أركان الإنسان، كل ما كتب عن المرأة وفيها ولها وضدها كان عن طريق الثقافة الذكورية المستبدة في توزيع الأدوار الاجتماعية، كانت المرأة عبر تاريخها خارج المتن الفاعل والمحرك مدفوعة ناحية الحاشية الفكرية والإنسانية ككائن خلق للنسيان في تلافيف الحاضر والماضي.
عالم المرأة يدفع دومًا إلى أن يكون محازة ذكورية مغلقة تابعة للرجال، لذلك هو يوصف بعالم الحريم إمعانًا في تكريس عبوديتها وامتهانها وتبخيسها، الحريم تعبير عفوي وحقيقي في المجتمع التقليدي يكشف مستوى ومكانة المرأة في سلم المجتمع الإنساني والوجودي، منذ أن يدرج الذكر في المجتمع التقليدي يكتشف أنه يحمل الامتياز اللامحدود على المرأة مهما بلغت من الترقي العلمي والفكري والوظيفي والاعتباري لأنها جزء من محيط الحريم الضعيف.
مفهوم المحرم الازدرائي مثلًا في المجتمع التقليدي يهدم الفوارق الفردية بين الجنسين مهما كانت الفوارق تتجه لصالح المرأة على الذكر ليس لباعث غير التدوين المنهجي للمرأة التي قدر لها أن تكون ضمن سياج محازة الحريم التي كتب عليها في المجتمع التقليدي أن تظل كائنًا سلبيًا مهمشًا مهما تفوقت.
أزمة المرأة العميقة في المجتمع التقليدي الديني تكمن في التوحش اللاشعوري الذي يستكنه الرجل تجاهها ما بين الخوف منها والخوف عليها، باعتبارها كائنًا مشتملًا للشرور كقارورة باوندا قارورة الشرور السحرية التي لو كسرت لتطايرت منها الشرور كما تحكي الأسطورة العالمية، حيث يتم تمثيل المرأة بكائن جسدي سلبي إلا من الغواية لا يحتوي كينونة الإنسان الإيجابي الفاعل والمتفاعل، وهكذا تحاول وتدفع الثقافة التقليدية بخاصة الدينية المحاكاتية؛ إذ يتم النظر إلى المرأة كما لو كانت جسدًا فحسب، النظر إلى المرأة في هذه المجتمعات التي لا ترى فيها غير جسد دون روح وإرادة ومبادرة يجنح إلى تصور وتصوير المرأة إلى غواية لذلك هو مهجوس بحجبها وطمس وجودها المعنوي تبعًا لحجبها وحصارها جسديًّا، حتى لا تتحول معول هدم وتقويض للنظام الاجتماعي والأخلاقي، ذلك أن هذه الثقافة التقليدية المتحجرة تكرس في لاوعيها خطورة هذا الكائن الذي لا ترى فيه غير أنوثته ومظهره المادي، الذي قد يتسبب في انحراف المجتمع لو ما تمت مراقبته دومًا وتسييجه بالشك والرقابة الصارمة، يقول حسن البنا الأب الروحي لجماعة الإخوان وعرابها الأهم عن المرأة ودورها وخطرها على المجتمع كما في كتابه أحاديث الجمعة (أول الفساد أن تفسد المرأة فيتبعها الشاب فتهمل الواجبات، فيفسد الفرد ويسكت الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يرون المنكر معروفًا والمعروف منكرًا).
في هذا النص الذي يمثل الفكر الإسلاموي والحركي ماضيًا وحاضرًا والذي تتمثله الجماعات الإسلاموية عامة، يصرح حسن البنا في اعتبار المرأة مبعث ومنطلق عامة الشرور في الأمة، وأن صلاح الأمة أو فسادها يكون عبر المرأة، وليس ذلك لكونها كائنًا إيجابيًّا، وإنما خلاف ذلك حيث يتم اعتبار المرأة كائنًا سلبيًّا، ومكمن فتنة وشرور إن لم يتم السيطرة عليها وحصارها ما يعني أنها بوابة ضلال الأمة أو صلاحها.
المرأة احتبست فكريًّا ونفسيًّا ومعرفيًّا عند هذه الرؤية التقليدية، وتحوصلت حول ذاتها تنسج حول نفسها ذات العقيدة الاجتماعية السلبية الأزرائية التي رسمت عن المرأة مؤمنة في لاوعيها أن هذه العقيدة التبخيسية هي حقيقتها، ولذلك توقفت المرأة عن البحث عن ذاتها لإيمانها أن كينونتها هي التي اختطها ورسمها الفقه الذكوري التقليدي.
ربما كانت أكبر مشكلة وأعمقها في لاوعي المرأة في الجانب الوجودي المتمثل بمسألة "الثقة بالنفس" التي ينطوي فيها كل معنى إيجابي وكينوني ووجودي، وذلك مالا تدركه المرأة لنجدها مهجوسة بقضايا شكلانية كمسألة الحجاب وقيادة السيارة ونحوها من قضايا مهمة، لكنها ليست جوهرية كجوهرية الإحساس المكتمل بالذات المتمثل بالثقة بالنفس، إذًا مأزق المرأة عبر تاريخها قار في عدم ثقتها بنفسها وشعورها الدوني بذاتها أمام المجتمع الذكوري الذي لايزال يخفضها ويدنيها ويجعلها بعض إنسان وربما أوصلها لمرحلة الرق اللاشعوري.
( المختصر )
المحرم في الأدبيات الدينية تم التوسع فيه لصالح التقاليد الاجتماعية الذكورية الطاغية، وأسهم الفقه التقليدي في هذا الإجحاف والاستعلاء، المرأة في البيئة التقليدية ليست إلا جسدًا وغواية وفتنة وإثارة، وما عدا ذلك فلا تعدو أن تكون كيانًا سلبيًّا لا يملك الفعل والمبادرة والتأثير دون الرجل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة