الانتحار في الأردن: 106 حاولوا .. والمجتمع يعتبره "وصمة عار"
50% إلى 75% ممن حاولوا الانتحار عبَّروا عن هذه الرغبة وتحدثوا عن نواياهم للمحيطين بهم، لكن وعي الأهل لا يكون كافيًا لمنع المنتحرين.
"أخبرت صديقي أنه لم يعد لديَّ رغبة بالحياة، لكنه لم يكترث، رغم أنه ملاذي الوحيد، فعائلتي متفككة، ولا أظن أن وجودي مهم لأحد منهم؛ فأبي طلّق أمي منذ أن كنت صغيرًا، ونشأت عند جدتي، والآن أصبحت بعمر 25 عامًا، ولا أجد عملًا، شعوري بالإحباط وعدم الأمان جعلني أرغب بالانتحار، وبالفعل أقدمت عليه، ولم أفكر حينها أنني سأبقى لأسرد حكايتي"..
هذا ما ورد على لسان "إيهاب"، وهو اسم مستعار، يحكي حكايته التي تبدو كحكاية الكثير من الشباب الذين تولدت لديهم رغبة بإنهاء حياتهم عن طريق الانتحار.
يتابع إيهاب: "شربت علبة كاملة من دواء مسكن أُفضّل ألا أذكر اسمه، كي لا يعيد أحد تجربتي، وقتها كنت نائمًا في شقة صديقي الذي يذهب للعمل، وبعد عودته وجدني في حالة يُرثى لها، وعند وصولنا للمستشفى سألني الطبيب ماذا فعلت؟ وأخبرته بكل صدق، لكنه فضَّل ألا يستدعي الضابط الموجود؛ كونه يعرف عائلتي، وكتب في التقرير الطبي أنني تعرضت لحالة تسمم غذائي شديد، وبعد هذه التجربة السيئة قررت أن أعيد برمجة أولوياتي، ومع الوقت تحسنت نفسيتي".
أما "سالم" فحاول أن ينتحر عام 2014، ويعترف بأن هذه النهاية لا يصلها إلا من يكون قد فقد الأمل في كل شيء بهذه الحياة، ولا توجد "قشة يتعلق بها"، ويقول: "في الجامعة تعرفت على مجموعة من الشباب من خلالهم أدمنت مخدر الحشيش، وبعد معرفة أهلي بالموضوع أخبروني أنه لا يوجد أمامي إلا خياران، الأول أن أبقى مُدمنًا ولا يعرفونني، والآخر أن أترك الحشيش وأن أعود لحياتي بشكل طبيعي".
يضيف سالم: "عندما قررت ترك الحشيش كنت أُصاب بشكل مفزع بنوبات من الصراخ والتعب والصداع، ودومًا كان يلاحقني الإحباط والحزن، وهذا الشعور الطبيعي عند ترك هذا المخدر، عند أخذه يشعر المدمن بسعادة لا تدوم طويلًا تجعله يبحث عن الحشيش بشكل دائم، وشعرت بالهزيمة؛ كوني غير قادر أن أترك الإدمان، وقررت وقتها أن أُنهي حياتي، فالموت هو الحل، وشربت أدوية كثيرة وهي أدوية خطيرة، ولكن تم تحويلي للمستشفى، والآن أمارس حياتي طبيعيًّا بعدما تم علاجي من الإدمان، وساعدني أهلي في ذلك".
ويتابع: "رسالتي إلى كل الأهل أن يساعدوا الابن أو الابنة إذا أخطأوا، وألا يبنوا جدارًا بينهم، ومن المهم متابعة ما يبث في التلفاز من مسلسلات وأفلام، خاصة للمراهقين الذين يتأثرون بكل ما يشاهدونه، فبعض الأفلام تصور المنتحر على أنه بطل".
مؤشرات الانتحار:
الدكتور سري ناصر، المتخصص في علم الاجتماع، يرى أن الانتحار ليس "الموت الاختياري" كما هو معروف عنه، وإنما يكون نتاج مجموعة من العوامل والمؤثرات تجعل المقدم على الانتحار يصل إليه ويختاره، وهي مجموعة من العوامل النفسية مثل الكآبة وغيرها.
ويقول إن أغلبية المنتحرين يعانون من أمراض نفسية تندرج تحت الاكتئاب والاضطراب الشعوري، حيث لا يرى المنتحر أي بصيص أمل أو وجود هدف يردعه من الانتحار، وبالتالي عدم الاتصال بهذا الواقع يكون خياره الأمثل. ويضيف: "لا ننسى العوامل الاجتماعية الناتجة عن مشكلة الفقر والبطالة وغيرها، فالمشاكل الاجتماعية في الأردن زادت في الفترة الأخيرة؛ لعدة أسباب، من بينها ازدياد أعداد السكان، ووجود خليط في البنية المجتمعية بسبب حالة اللجوء، فمن الطبيعي أن نرى ازديادًا لحالات الانتحار".
ويؤكد ناصر أهمية دور الأهل في ملاحظة سلوك الابن، ومعرفة ما يدور بخاطره، وكيف يمضي يومه، وما التفاصيل التي يواجهها؛ فالشخص المقبل على الانتحار يتسم بعدد من الصفات، كأن يكون منعزلًا وغير اجتماعي، وتظهر عليه أعراض الاكتئاب. وفي العادة هؤلاء الأشخاص يعبرون عن رغبتهم بالانتحار، لكن للأسف فإن العائلة والمقربين منهم لا يأخذون هذا الكلام على محمل الجد.
الحالات لا تسجل كلها:
رئيس جمعية الأطباء النفسيين في الأردن، الدكتور محمد حباشنة، يؤكد أنه بالفعل ازدادت ظاهرة الانتحار في الأردن؛ ففي عام 2014 تم تسجيل 100 حالة محاولة انتحار، وفي عام 2015 سجلت 106 حالات محاولة انتحار، بحسب التقارير الصادرة من المركز الوطني لحقوق الإنسان، ومعظم المنتحرين من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عامًا.
ويلفت حباشنة إلى أن أغلب حالات الانتحار لا يتم تسجيلها أساسًا والاعتراف بها؛ كونها وصمة عار تحاول العائلة إخفاءها، فمعظم الحالات لا يتم إحالتها للمركز الوطني للطب الشرعي، من قبل الجهات القضائية، ولهذا فإن هذه الدراسات ليست بالدقيقة.
وأوضح أنه بالرغم من وجود ما يقارب 30 طبيبًا نفسيًّا في القطاع الخاص بالأردن، وما يقارب الـ70 في القطاع العام، إلا أن معظم الناس لا يعترفون بوجود المشاكل النفسية، ويصفون الشخص الذي يحتاج لطبيب نفسي بـ"المجنون"، فأصبحت زيارة الطبيب النفسي محفوفة بالخوف الاجتماعي، ولهذا معظم الحالات تتجه للانتحار بدلًا من معالجة المشكلة من جذورها.
وبحسب الجمعية الأمريكية لمحاربة الانتحار؛ فإن من 50% إلى 75% ممن حاولوا الانتحار عبروا عن هذه الرغبة وتحدثوا عن نواياهم للمحيطين بهم، لكن وعي الأهل لا يكون كافيًا حتى يروا المؤشرات.
aXA6IDMuMTQ1LjY4LjE2NyA=
جزيرة ام اند امز