صحافة المغرب العربي .. تقلص المبيعات أمام تطور الإنترنت
تراجع مقلق في مبيعات الصحافة الورقية في بلدان المغرب العربي، ذلك ما أظهرته آخر تقارير مكتب الاعتماد والتوزيع الفرنسي OJD
تراجع مقلق في مبيعات الصحافة الورقية في بلدان المغرب العربي، ذلك ما أظهرته آخر تقارير مكتب الاعتماد والتوزيع الفرنسي OJDالمتخصص في متابعة توزيع ومبيعات الصحافة العالمية، يضع تقرير أعده المكتب تنامي الإعلام الإلكتروني، في طليعة أسباب تراجع مبيعات الصحافة المطبوعة بكل إصداراتها في دول المغرب العربي.
في تقرير مماثل نشرته في وقت سابق، الهيئة المغربية للتحقق من انتشار الصحف، أظهرت نتائجه أن معدل انتشار الصحف سنة 2014 في المملكة قد تقلص بنسبة 12.4% عما كان عليه في 2013 وهو العام الذي شهد بدوره تراجعًا بمعدل 17.9% مقارنة بمبيعات 2012.
لا يقتصر هذا التراجع على الجرائد اليومية، فقد تقلصت مبيعات المطبوعات الأسبوعية بدورها خلال نفس الفترة بمقدار 17.1%، وليست المجلات الورقية بأفضل حال من غيرها إذ سجلت هي الأخرى انخفاضًا بـ 3.3%.
على أن متابعين لحال الصحف في المملكة المغربية، يعتقدون أن قرار اتحاد الناشرين، رفع أسعار الصحف من 3 دراهم إلى 4 دراهم، قد ساهم هو الآخر في تراجع الإقبال عند قراء الصحافة المطبوعة، في ظل توفر الأخبار المجانية المتاحة على صفحات الإنترنت.
غير أن تقرير الهيئة حمل إجابة سريعة لأهل هذا الرأي، فقد أظهرت إحصائياته ما بين 2012 و2013 تراجعًا في مبيعات الصحف الإخبارية المجانية، بـ 15.2%، وتتصدر جريدة المساء مبيعات الصحف اليومية في المغرب متبوعة بجريدة الصباح.
الصحافة الجزائرية .. تأخر الإلكترونية يطيل عمر الورقية
لا يختلف الوضع في الجزائر كثيرًا، اللهم من حيث حداثة عهد الصحافة الإلكترونية وبطء تطورها، فقد رصد المكتب الفرنسي لمراقبة التوزيعOJD على موقعه الإلكتروني، تراجعًا في إقبال القارئ الجزائري على اقتناء الجرائد الورقية وتحوله بشكل متزايد لاستقاء الأخبار من المنصات الإلكترونية.
ونشر OJD أرقام مبيعات جرائد جزائرية على غرار "الشروق اليومي" التي تصدرت أعلى المبيعات خلال الخمس سنوات الأخيرة، و"الخبر" و"النهار" الناطقة باللغة العربية والوطن الصادرة باللغة الفرنسية.
وقد أظهرت الإحصائيات تدنيا في سقف السحب اليومي لجريدة الشروق خلال العام 2014 بواقع 348829 نسخة مقابل 426603 نسخة سنة 2013 أي بتراجع قدره 18% خلال سنة واحدة.
كما انخفضت مبيعات جريدة الخبر اليومية في نفس الفترة، إلى ما يقارب 20% بما يعادل 281093 نسخة في اليوم.
وبلغت متوسط السحب اليومي بالنسبة لجريدة النهار اليومية 230484 نسخة خلال 2014 أي بانخفاض قدره 18.57% مقارنة بمتوسط سحب الجريدة سنة 2013.
وتوضح إحصائيات مكتب الاعتماد والتوزيع الفرنسي المتخصص في نشر إحصائيات العديد من وسائل الإعلام العالمية، أن يومية الوطن التي تصدر باللغة الفرنسية، قد تراجع متوسط سحبها اليومي بـ 4% أي بنحو 1400 نسخة في اليوم مقابل مستوى السحب عام 2013.
ولم تتوفر في السنوات الأخيرة أرقام دقيقة، تحدد بمصداقية حجم السحب اليومي، ويتكثم ملاك الصحف بشكل عام عن حجم مبيعاتهم، خشية نفور المعلنين وتراجع عائداتهم المالية. غير أن المؤشرات جميعها تجمع على حقيقة تراجع نسبة مبيعات الصحافة الورقية باضطراد زمني سنة بعد أخرى.
لكن إحصاءات تراجع الصحف المطبوعة، لا تمثل مفاجئة بالنسبة للمختصين في قطاع الإعلام في الجزار، حتى أن الدكتور محمد لعقاب، أستاذ الإعلام في جامعة الجزائر، يعتبرها تحصيل حاصل.
ويتفق في ذلك مع زميله الدكتور سفيان صخري الأستاذ في كلية العلوم السياسية، بالإشارة إلى أن معظم الدراسات الاستشرافية، توقعت قبل سنوات تراجع الصحافة الورقية لصالح بدائل صحافية أخرى، منها القنوات التلفزيونية الفضائية والإذاعية وتنامي الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي.
من دون أن يستثنوا ارتفاع تكاليف الطباعة وسعر الورق في السوق الدولية، يشير إعلاميون بأصبع الاتهام إلى توجه المعلنين على نحو متسارع إلى التلفزيون ووسائل الإعلام الإلكتروني، وأدى كل ذلك إلى توقف الكثير من العناوين الورقية وتحول أغلبها إلى صحف إلكترونية.
لكن مديرة يومية "الفجر" السيدة حدة حزام، وإن كانت لا تنكر الضغط الذي تمثله الصحافة الإلكترونية على شقيقتها الورقية، فإنها تقدم تبريرات أخرى لتراجع انتشار الصحف.
في اتصال معها أكدت لبوابة "العين" أن احتكار السلطة لآليات توزيع الإعلانات بأساليب فيها الكثير من المحاباة والفساد، يمثل ضغطًا ماليًا على الصحافة الورقية اليومية ما يحد من انتشارها.
وتقول السيدة حدة، إن صحيفتها تعاني صعوبات كبيرة بسبب شح الإعلانات، ولذلك فهي لا تطبع سوى حوالي 15000 نسخة يوميًّا. وتقول إنه حتى المعلنين في قطاع الأعمال الخاص يخشون انتقام السلطات من خلال الضرائب، فأصبحوا أكثر حرصًا على ان لا تذهب إعلاناتهم إلى الصحف التي لا تحظى برضى السلطات.
وتترقب الأسرة الإعلامية في الجزائر، أن تصدر وزارة الاتصال قريبًا قائمة بنحو 50 صحيفة تكاد تكون وهمية. لا تتمتع هذه الصحف بأي مقروئية تذكر، ولا تدفع ديونها للمطابع ولا لشركات التوزيع، ومع ذلك جنت مليارات الدنانير من عائدات إعلانات الصفقات الحكومية.
وقد اختفت مؤخرًا صحيفة "الأحداث" من رفوف أكشاك الصحافة الورقية في الجزائر، لأسباب لا يستبعد متابعون أن تكون خطة استباقية من إدارتها حتى لا تظهر على قائمة الصحف المحظورة، ويرجع هؤلاء ذلك إلى كون ملكية الصحيفة مرتبطة بوزير الإعلام ومدير شبكة التلفزيون الحكومي السابق، حمراوي حبيب شوقي، بالشراكة مع مسؤولين سابقين في وزارة الاتصال.
تكشف هذه الوقائع مدى الفساد المستشري في توزيع الإعلانات الحكومية، وكيف يستعمل كسلاح لابتزاز الصحف وشراء ولاء الإعلام، حتى أنه وفي غياب إنفاذ القانون تحول الإعلان إلى مصدر لاغتناء فئات مافيوية عن طريق أسماء صحف وهمية لم يعرفها القراء يومًا.
تونس .. صحف عريقة على حافة الإفلاس
رغم تسليمها بأن انحسار انتشار الصحافة الورقية أزمة عالمية بالأساس، أفرزتها تحولات المشهد الإعلامي وما رافقها من تقدم تكنولوجي هائل، إلا أن جامعة مدراء الصحف التونسية لا تغفل مسؤولية الحكومة عن تراجع مبيعات الصحافة ودنو حتى العريقة منها من حافة الإفلاس.
ويتهم الناشرون التونسيون حكومات ما بعد الثورة، بأنها أدارت ظهرها لدعم الصحف اليومية ماديا. والسبب برأي الناشرين رفض الإعلام المكتوب العودة إلى جوقة "المطبلين" للنظام وتمسكه في المقابل بحريته التي أهدته أياها ثورة الياسمين.
يسوق هؤلاء توزيع الإعلانات وفق حسابات سياسية وليست موضوعية، مثالا للابتزاز المسلط على إدارة الصحف ما جعلها تخفض أسعار مساحاتها الإعلانية، وهو ما أثر لاحقًا على مداخيلها بشكل لافت.
في تصريح نقله موقع "تورس" التونسي، دق مدير جريدة "حقائق" التونسية ناقوس الخطر، محذرًا من اختفاء صحف أترث المشهد الإعلامي التونسي طوال 50 عامًا.
ويرصد الإعلام التونسي في إصداراته اليومية والأسبوعية، مخاوف مدراء الصحف على مستقبل عناوينهم الورقية باعتبار أنها – بنظر البعض- مقومًا من مقومات الهوية الوطنية لا ينبغي التفريط فيها بسهولة.
ينقل موقع "تورس" عن مدير صحيفة «الفجر» عبد الله الزواري، دعوته للتصدي لكل محاولات تغييب الصحافة المكتوبة وتهميش موقعها وتسطيح دورها الحضاري.
يؤمن الزواري بأنه لا مناص من تنظيم توزيع الإعلانات الحكومية وإسقاط الرسوم عن الورق وإقرار دعم مباشر للصحافة. ويشاطره كثيرون رأيه، بأن هذه الإجراءات كفيلة بضخ موجات إيجابية وجرعات من الحياة في جسد الصحافة المطبوعة.
وتزخر الصحافة التونسية بأسماء جرائد يعود تاريخها إلى 5 عقود، مثل صحيفتي "لابراس" الناطقة بالفرنسية والصباح الصادرة باللغة العربية.
أما الإعلام الإلكتروني فقد عرفته تونس، منذ فجر تسعينيات القرن الماضي، ومضت فيه بخطى حثيثة، متقدمة على جيرانها مثل الجزائر وليبيا وموريتانيا، حتى أصبحت أغلب الصحف الصادرة تؤازر جهدها الورقي بمواقع إلكترونية على غرار أغلب الصحف حول العالم.
في سياق النقاش عن مستقبل الصحافة الورقية، يهدأ نزار بهلول صاحب الموقع الإلكتروني "بيزنس نيوز"، من روع الناشرين الخائفين من اندثار جرائدهم. ويستبعد بهلول اختفاء الصحافة الورقية في ظل تطور الإعلام الإلكتروني، مستشهدًا بتاريخ ظهور التلفزيون وكيف أنه لم يوقف ازدهار الراديو بأي حال.
لكنه يعترف بأن واقع الصحافة الإلكترونية أفضل حال من الوضعية الكارثية التي تعيشها الصحافة المطبوعة، لكونها في غنى عن تكبد كلفة الطباعة والتوزيع.
رغم ذلك، لا تقنع تطميناته قطاعًا واسعًا من العاملين في الصحافة المطبوعة، فثمة من يرى اختلافًا بين طبيعة التلفزيون والإذاعة بقدر تباين أدواتهما، أما الصحافة الورقية فيقدر البعض سهولة الاستغناء عنها مقابل ما يوفره الإعلام الإلكتروني من سرعة وآنية مقابل تكاليف أقل.
لكن هذا لا يعني أن الإعلام الإلكتروني لا يواجه مشاكل إطلاقًا، فالمواقع الإلكترونية تتمتع بمداخيل أقل وتعاني من صعوبات الحصول على الإعلانات، في ظل الأزمة الاقتصادية التي دفعت رؤساء المؤسسات إلى تقليص المصاريف.
الحرب الصامتة بين الصحافة الورقية والإلكترونية، دفعت الخبير الأميركي المختص في الصحافة الاستقصائية "سيمور هيرش" إلى تشبيه الصحافة الإلكترونية بالخيول الجامحة التي أفلتت من عقالها فلم تعد ثمة حيلة أو مجال للجمها.
aXA6IDE4LjE5MS44MS40NiA=
جزيرة ام اند امز