عباس وحماس بتركيا.. "تجار" القضية بحضرة "كبيرهم"
الاجتماع في تركيا لبحث إنهاء الانقسام الفلسطيني رغم أن أنقرة والدوحة وراء تكريسه واستمراره
لم تتأخر كثيرا السلطة الفلسطينية وفصائلها، التي انتقدت معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية وعلى رأسها حركتا "حماس" و"فتح"، في إثبات أن هجومهم لا يتعلق قط بجوهر معاهدة السلام، بل إن المسألة محض متاجرة بالقضية الفلسطينية لتحقيق مصالح خاصة.
ففرقاء فلسطين الذين تجاهلوا المكاسب بالجملة التي وفرتها معاهدة السلام الإماراتية للقضية الفلسطينية، سارعوا إلى الاجتماع في رحاب تركيا التي تقوم بتطبيع علاقتها مع إسرائيل منذ عقود، وتسعى لتطويرها، بل إن أنقرة لم تستغل تلك العلاقات قط في تقديم أي مكسب حقيقي للقضية الفلسطينية.
فحركتا "حماس" و"فتح" عقدتا في تركيا، اليوم الثلاثاء، اجتماعا لبحث إنهاء الانقسام بينهما، الذي ساعدت أنقرة والدوحة على تكريسه واستمراره، بزعم تطبيق توصيات لقاء "الأمناء العامين" للفصائل الفلسطينية.
مسرحية هزلية
تلك الاجتماعات، التي وصفها مراقبون، بأنها "اجتماعات للمتاجرين بالقضية في ضيافة التاجر الأكبر أردوغان"، معتبرين أنها مسرحية هزلية تثير الاستياء.
لم تكن اجتماعات إسطنبول الأولى فالسلطة الفلسطينية لم تكتف بذلك، بل سبق أن حاولت ابتزاز الجامعة العربية بقرار خلال اجتماع وزراء الخارجية، 9 سبتمبر / أيلول الجاري، يحرض ضد الإمارات، وهوما أسقطته الجامعة العربية ولم تحقق للفصائل الفلسطينية تلك المكيدة.
بل عقب رفض الجامعة العربية القاطع لاستخدامها كمنصة تمرير أي مشاريع تحريضية ضد دولة الإمارات، التي كانت ومازالت داعما رئيسيا للقضايا العربية وعلى رأسها قضية فلسطين، أعلن وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، الثلاثاء، أن بلاده، قررت التخلي عن حقها في ترؤس مجلس جامعة الدول العربية بدورته الحالية، ردا على هذا الموقف.
تلك المسرحية تستدعي المقارنة بين مواقف كل من الإمارات وتركيا في تعاملهما مع القضية الفلسطينية، بل تعامل السلطة الفلسطينية نفسها وفصائلها بازدواجية مع قضيتهم تثير الاستغراب مع القضية.
ففي ميزان السلطة الفلسطينية فالعلاقات مع إسرائيل حلال لتركيا وقطر، حرام على بقية الدول، ومن يخالف تلك التوجهات فهم جاهزون لشن حملة افتراءات وإساءات ضده تحت مزاعم الدفاع عن القضية الفلسطينية.
لماذا يهاجمون الإمارات؟
لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها دورا بارزا في دعم الشعب الفلسطيني لاسترجاع حقوقه المشروعة مستندة إلى سياسة تتسم بالواقعية بعيدا عن استراتيجية الظواهر الصوتية، التي تنتهجها الدول المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
وفيما كانت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى خلال الأسابيع الماضية من ضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية، الأمر الذي يعني القضاء على أمل إقامة دولة فلسطينية، تدخلت الإمارات بدبلوماسيتها الواقعية لتمنع الضم عبر معاهدة سلام تاريخية مغ إسرائيل.
وفيما تواصل الإمارات العمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني عبر طريق السلام، يكتفي عباس وزمرته بدعم من أنقرة والدوحة بشن حملات تحريضية ضد الإمارات والدول التي تؤيد مواقفها الداعمة للسلام.
هذا السلوك بات يؤكد حرص السلطة وقادتها وعلى رأسهم رئيسها محمود عباس على استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون أي حلول، لمواصلة تربحهم من المتاجرة بتلك القضية.
فالإمارات لم تعلن التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية، ولم تدع الفلسطينيين لذلك، ولم تمنع الفلسطينيين أيضا من نيل أي حقوق يطالبون بها، على العكس تماما، نجحت الإمارات - دون أن يطلب منها أحد ومن واقع إحساس قادتها بالمسؤولية عن قضية تعد مركزية في سياستها الخارجية منذ تأسيسها- في إنقاذ 30% من الأراضي الفلسطينية وأكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا معرضين للطرد وإنهاء 6 سنوات من الجمود.
كما بثت الروح في المسار التفاوضي للوصول إلى السلام العادل والشامل بعد نحو 3 عقود من مفاوضات بلا جدوى، أي حصلت على مكاسب مقدما للقضية الفلسطينية في سابقة بتاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية.
كما فتحت الإمارات الطريق أمام تسوية وضع الأقصى، وألزمت معاهدة السلام إسرائيل بفتح المسجد أمام المسلمين من بقاع الأرض كافة.
ولا تزال الإمارات تعمل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولكنها اختارت طريقا مختلفا عن طرق سلكها العرب على مدى عقود، ولم تسهم في شيء، سوى في خسائر متلاحقة للقضية.
وخلال التوقيع على معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، أكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، أن هذه المعاهدة ستمكن الإمارات "من الوقوف أكثر إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتحقيق آماله في دولة مستقلة ضمن منطقة مستقرة مزدهرة".
وأكد أن "معاهدة السلام هذه التي تعد إنجازا تاريخيا لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة، لن يتوقف أثرها الإيجابي، بل إننا نؤمن بأن ثمارها ستنعكس على المنطقة بأسرها، فكل خيار غير السلام سيعني دمارا وفقرا ومعاناة إنسانية".
وبتلك المعاهدة منحت الإمارات بارقة أمل وفرصة حقيقية إلى دول منطقة الشرق الأوسط بأن تنعم بالسلام والاستقرار بعد عقود طويلة من الصراعات والتوترات التي أثرت على مستقبل شعوبها.
ولا يخلو أي خطاب سياسي لدولة الإمارات في أي محفل دولي أو إقليمي من التأكيد على مركزية القضية الفلسطينة للإمارات والأمة العربية والإسلامية، والتحذير من مغبة عدم التوصل لحل عادل لتلك القضية، وخطورة استغلالها من التنظيمات الإرهابية ومن الدول التي اعتادت على المتاجرة بالقضية مثل إيران وقطر وتركيا.
المتاجرة التركية القطرية
وعلى النقيض من الموقف الإماراتي الداعم للقضية الفلسطينية، لا يتوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خطاباته النارية، وحروبه الكلامية، ومسرحياته الهزلية، وسعيه الدائم إلى اللعب بمشاعر العرب والمسلمين، كلما كانت هناك مناسبة عن القضية الفلسطينية، مع أن الحقائق عكس ذلك تمام.
فرغم أن العلاقات الرسمية التركية الإسرائيلية بدأت في مارس/آذار عام 1949، وأصبحت تركيا أول دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بإسرائيل كوطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين، لم تقدم أي شيء للقضية الفلسطينية أو رفع معاناة الشعب الفلسطيني.
بل عمل النظام التركي عن طريق المال القطري، على تعميق هوة الانقسام في صفوف الفصائل الفلسطينية عبر الدعم المستمر لحركة "حماس"، وتجاهل التعامل مع السلطة الفلسطينية، إلى جانب تعزيز التبادل التجاري والعسكري مع إسرائيل.
وفي عام 2017، كشف تقرير صادر عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة عن حقيقة تركيا وقطر ليسقط كل الأقنعة، ويفضح المتاجرين بالفلسطينيين وقضيتهم.
ويرصد التقرير أهم المتبرعين والداعمين للفلسطينيين واللاجئين منهم على مستوى العالم، ومن بين أهم 20 داعما ومتبرعا لا يظهر اسم تركيا ولا قطر ولا إيران على الإطلاق.
ولكن يمكن بوضوح رؤية اسم المملكة العربية السعودية في المركز الرابع بإجمالي يصل إلى 96 مليون دولار تقريبا في عام واحد. وجاءت الكويت في المركز الثامن، بإجمالي 32 مليون دولار. أما الإمارات العربية المتحدة فجاءت في المركز الـ12 بإجمالي 17 مليون دولار تقريبا.
متاجرة أردوغان بالقضية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية، دفعت المعارضة التركية إلى التساؤل، عن أسباب الاكتفاء بالتصعيد السياسي والإعلامي مع تل أبيب فقط من جانب نظام أردوغان بدون تقديم أي حلول أو مساعدات جدية للشعب الفلسطيني.