عبدالله غيث.. مقاوم الإغراءات
النجم العالمي أنتوني كوين يشيد بموهبة الفنان عبدالله غيث، ويقول عنه: "لو سافر إلى أوروبا لكان له شأن آخر مع التمثيل".
على خشبة "المسرح القومي" بوسط العاصمة المصرية، وقف الفنان الراحل عبدالله غيث ليقدم العديد من العروض الشعرية المترجمة، ورغم صعوبة الموضوعات التي كان يتناولها، فإن المسرح دائما ما كان يرفع لافته "كامل العدد، لنجاحه في تقديم أداء رائع كستخدما نبرة صوته المميزة وملامحه الشرقية في إيصال ما يقدمه لقاعدة جماهيرية عريضة.
ومن التفاصيل الرائعة التي دعمت رابطة الحب بين عبدالله غيث وجمهوره، هو احترامه لفنه وعدم تقديمه لأي تنازلات مهما كان حجم الإغراءات التي تعرض لها، لذا رحل عن الدنيا بجسده لكنه باق في وجدان الجمهور العربي بأعماله الجميلة وسيرته الطيبة.
ولد عبدالله حمدي الحسيني غيث، في 28 يناير/كانون الثاني 1930، بـ"كفر شلشلمون" بمحافظة الشرقية شمالي العاصمة، نشأ وسط أسرة ثرية تحظى باحترام الجميع، إذ درس والده الطب في لندن ولكنه لم يمارس مهنة الطب وانشغل بأعباء الأرض الزراعية الشاسعة ومنصب عمدة القرية.
أدرك الأب أن "عبدالله" لن يحصل على شهادة جامعية لأنه لم يكن متفوقا في المدرسة، ويهوى الهرب لمشاهدة العروض المسرحية الجديدة، فدفعه بعد حصوله على الشهادة الثانوية للعمل في الأرض الزراعية ومراعاة شؤونها، واستجاب "عبدالله" وتزوج من ابنة خالته وعمره 18 عاما، ورزق منها بـ3 أبناء هم "أدهم وعبلة والحسيني".
كان من الممكن أن تنتهي حياة عبدالله وسط الزراعات ومهام قريته لولا شقيقه حمدي غيث العائد من باريس وفي رأسه أحلام كبيرة، خاصة بعد تعيينه أستاذا في معهد الفنون المسرحية، وشعوره بأن شقيقه عبدالله يمتلك موهبة فنية كبيرة وشغف بالمسرح، فأقنعه بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية.
لفت عبدالله غيث الأنظار بموهبته خلال الدراسة، فتم تعيينه بالمسرح القومي قبل إنهاء دراسته بالمعهد عام 1955.
تحمس الفنان الكبير يوسف وهبي لموهبة عبدالله غيث، وشجعه وأثار بداخله الحماس، وبالفعل شهد المسرح تألقه وتوهجه ومشاركته في بطولة عروض كلاسيكية مترجمة مثل "دنشواي الحمراء، وراء الأفق، تحت الرماد، مأساة جميلة"، وصار بمرور الوقت وتعدد وتنوع الأدوار ملك المسرح الشعري.
تحمس منتجو السينما لفارس المسرح العربي، وكانت بدايته السينمائية بفيلم "لا وقت للحب" إنتاج عام 1962، وتوالت أعماله المهمة على الشاشة الكبيرة مثل "رابعة العدوية، أدهم الشرقاوي، ثمن الحرية".
كل الذين اقتربوا من عبدالله غيث أكدوا بساطته وإنسانيته وحبه للحياة وعشقه للتمثيل، وكان حريصا على التواجد في قريته طوال الوقت، لذا تولى أيضا منصب عمدة القرية خلفا لوالده.
ورغم مهام المنصب الكبيرة فإنه لم يهمل الفن وشارك في بطولة أفلام سينمائية اجتماعية وسياسية هامة مثل "السمان والخريف، الحرام، وجفت الأمطار، حكاية من بلدنا."
في عام 1976 ابتسم الحظ لعبدالله غيث، إذ اختاره المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد للمشاركة في بطولة فيلم "الرسالة"، لتجسيد شخصية حمزة بن عبدالمطلب عم الرسول صلي الله عليه وسلم، وتم تقديم الفيلم بنسختين عربية وإنجليزية، وتم التصوير في ليبيا والمغرب.
الطريف في الأمر أن النجم العالمي أنتوني كوين جسد شخصية حمزة بن عبدالمطلب في النسخة الإنجليزية، ولأنه فنان ذكي طلب مشاهدة أداء عبدالله غيث قبل بدء التصوير.
وعندما شاهد أنتوني كوين أداء الفنان الكبير عبدالله غيث أصابه الذهول، وأشاد بموهبته قائلا: "لو ذهب إلى أوروبا سيكون له شأن آخر".
على شاشة التليفزيون صنع الراحل عبدالله غيث نجاحا كبيرا وقدم مسلسلات متميزة منها "هارب من الأيام، الثعلب، المال والبنون، محمد رسول الله، ذئاب الجبل".
كان عبدالله غيث شديد الانشغال ولم يدرك أن حالته الصحية تتراجع، وفجأة وفي أثناء تصوير مسلسل "ذئاب الجبل" سقط على الأرض، وبعد نقله للمستشفي تبين إصابته بسرطان الرئة في مرحلة متأخرة.
تحامل الفنان على نفسه كثيرا لاستكمال تصوير دوره في المسلسل، إلا أن نهاية رحلته كانت في 13 مارس/آذار 1993.
توفي الفارس ولم يتنازل عن مبادئه أو يقدم عملا ضعيفا، ويتضمن أرشيفه الفني 13 فيلما، و17 مسرحية منها "الوزير العاشق، الحسين ثائرا"، و23 مسلسلا، وهو إنتاج قليل لا يتناسب مع حجم وقدر موهبته الرائعة.
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjE1MiA= جزيرة ام اند امز