يحق للبداوة أن تعتز بإرثها العريق ودورها العظيم في بناء الحضارة العربية التي حكمت من شرق آسيا حتى غرب أوروبا وأفريقيا.
بل لها أن تحمل كبرياءها القديم وبهاءها المتجدد رايةً لشعوب سادت ثم بادت، وانتهت إلى ما انتهت إليه من انهيار اجتماعي وصناعي، واقتصادي، وإفلاس مالي.
لبدو الجزيرة العربية أن يفتخروا كل الفخر بأن تاريخهم كغيرهم من البدو في العالم العربي لا يحمل وصمة عار برضوخ لمحتل، أو تهمة إبادة جماعية لقوم خالفوهم في الرأي أو الدين، فهم احتضنوا اليهود وغيرهم من الديانات إخوةً لهم في الإنسانية، وسمحوا لهم بأن يشتغلوا بالتجارة والزراعة، ويشاركوهم العيش في الجزيرة العربية، كما أنهم شاركوا مع البدو والحضر في الفتوحات الإسلامية الذين عملوا بوصية الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" بألا يقتلوا صغيراً ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا يعقروا نخلا ولا يحرقوه، ولا يقطعوا شجرة مثمرة"، بل أوصاهم إذا مروا بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع أن يدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.
نعم، نحن بدو الجزيرة العربية الذين يفخرون بوصولهم إلى المريخ وامتلاكهم الطاقة النووية للأغراض السلمية، وعونهم الإنساني لدول العالم بدون تفرقة، ونحن ممن يفخرون بسجل إنساني ناصع البياض قديما وحديثاً في التعايش والتسامح والجنوح إلى السلم والسلام، بل إننا نفضّل حياتنا البدوية البسيطة كغيرنا من البدو العالم العربي والإسلامي، رغم ما سخّره الله لنا من إمكانات وما منحنا إياه من نعم، على حياة الجاه والرفاه إذا خلت من القيم والنخوة والشهامة، وقد قالتها ميسون بنت بجدل "أو بنت جندل لاختلاف الروايات" قبل ألف وثلاثمئة عام، مفضّلة عيش الخيام والبداوة على سكن القصور والحضارة:
"خشونة عيشتي في البدو أشهى
إلى نفسي من العيش الظريفِ
فما أبغي سوى وطني بديلاً
وما أبهاه من وطنٍ شريفِ".
وكأنها تقف مدافعةً عن قومها من البدو في جزيرة العرب، لتُخرس ما سمعناه من عنصرية بغيضة أتت على لسان من يفترض أن يكون دبلوماسياً أول في حكومة لبنانية تمثّل لبنان الدولة "وإن كانت واقعة للأسف تحت سيطرة إيران وميليشياتها المسلّحة"، إنها البداوة التي لا يعلم عنها شربل وهبة شيئاً، في ظل ولائه المتحيز للإيراني.
وحين واجهه الناشط السعودي الأنصاري بحقائق يعلمها القاصي والداني، جاء رده عنصرياً يعكس ولاءه وانتماءه، متناسياً أن لهذا الحلف تاريخاً دموياً في إلغاء الآخر ومعاداة التنوع الديني والثقافي الذي هو سبب قيام دولة لبنان وميزته الحضارية بالدرجة الأولى، فكيف به يقبل على نفسه وعلى وطنه لبنان وشعبه الذي نحب، ما رفضه شاعر العروبة بشارة الخوري الأخطل الصغير وهو القائل:
"لُبْنَانُ ما لَكَ إنْ غمَزْتُكَ تَغضَـبُ
أيَجِدّ غَيرُكَ فِي الحَيَـاةِ وَتَلْعَـبُ
أمّا الشّعُوبُ فَقَدْ تَألّفَ شَمْلُـهَا
فَمَتَى يُؤلَّفُ شَعْبُـكَ المُتَشَعِّـب".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة