منذ وصول جو بايدن إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، حرصت تركيا على القول إنها تسعى لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
وأنها بصدد مراجعة سياستها، وصولا إلى إعادة الدفء إلى العلاقات بين الجانبين، لكن التصريحات الأخيرة للرئيس أردوغان ضد الرئيس بايدن على وقع المواجهة الأخيرة بين إسرائيل وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، ولاسيما تصريحه بأن "يدي بايدن مطلختان بالدماء"، ومن ثم رد واشنطن بأن تصريحات أردوغان معادية للسامية وإدانتها من قبل الخارجية الأمريكية، فجرا أزمة بين الجانبين على شكل تصريحات واتهامات متبادلة عمقت من الشروخ في العلاقات المتوترة بين البلدين أصلا، حيث الاتهامات التركية المعتادة لواشنطن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية المزعومة عام 2016. حساسية تصريحات أردوغان تأتي من كونها جاءت قبل أسابيع من اللقاء المقرر بين أردوغان وبايدن خلال القمة المقررة للحلف الأطلسي في الرابع عشر من الشهر المقبل في بروكسل، وهو ما دفع بالعديد من المحللين السياسيين الأتراك قبل غيرهم إلى السؤال، كيف سيصافح أردوغان بايدن ويداه مطلختان بالدماء؟ وهو سؤال أثار الكثير من الجدل في الساحة التركية، بين من رأى أنها تدخل في إطار أسلوب المزايدة الذي يتقنه أردوغان جيدا عند الحديث عن القضية الفلسطينية وبين من رأى أنها تصريحات لا مسؤولة ستدفع بالعلاقات التركية - الأمريكية نحو المزيد من التوتر على وقع الخلافات بينهما بشأن المنظومة الصاروخية إس - 400، وطائرات إف – 35 المقاتلة، والتوتر في شرق المتوسط، والدعم الأمريكي لأكراد سوريا، إذ أن حل هذه الخلافات على طاولة اللقاء بين أردوغان وبايدن في بروكسل والبدء بمرحلة إيجابية جديدة، يحتاجان بنظر المراقبين إلى لغة جديدة غير التي تحدث بها أردوغان والتي وصلت إلى حد الهجوم الشخصي على الرئيس بايدن، وهي اتهامات زادت من منسوب الخوف والقلق لدى الأتراك إزاء مستقبل علاقة بلادهم بالإدارة الأمريكية الجديدة.
الخلاف الأمريكي - التركي الذي نشب أخيرا على وقع المواجهة بين إسرائيل وحماس كشف عن اختلاف زاوية التعامل مع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، بين الأسلوب الأمريكي الذي اتبع دبلوماسية هادئة لوقف التصعيد من خلال التعاون مع مصر ودول الخليج العربي وإسرائيل وهو ما أشاد به الرئيس بايدن في خطابه عقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وبين أسلوب الرئيس أردوغان الذي يقوم على التحريض والمزاودة ورفع الصوت عاليا واتهام الدول العربية بالتقصير دون فعل شيء عملي يساهم في وقف التصعيد والتأسيس للتهدئة والاستقرار والسلام.
من دون شك، وضعت التصريحات الأخيرة لأردوغان ضد الرئيس بايدن العلاقة بينهما أمام تحديات جديدة لاسيما في ظل الخلافات الكثيرة التي تعاني منها العلاقات بين البلدين، ولعل ما يزيد موقف الرئيس بايدن صعوبة في انتهاج سياسة تؤدي إلى حل الخلافات مع تركيا هو حجم المشاريع المعروضة في الكونغرس لفرض عقوبات جديدة على تركيا في ظل إصرار أردوغان على التقارب مع الرئيس الروسي بوتين، وفي كل هذا لا تجد المعارضة التركية تفسيرا للأسلوب الذي يتبعه أردوغان في إدارة المشكلات التي تعاني منها السياسة الخارجية التركية سوى الهروب من دعوات المعارضة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وخوفه من تداعيات القضايا المتعلقة بالفساد ولاسيما بعد كشف أحد زعماء المافيا التركية في سلسلة فيديوهات مسجلة عن المزيد من قضايا الفساد وعلاقة أقطاب السلطة بها، في وقت ترى هذه المعارضة أن تعميق الشروخ في العلاقة التركية - الأمريكية لن يزيد سوى من جروح أردوغان ومشكلاته، ولعل جل ما يتمناه أردوغان هو أن لا يذكره بايدن عند اللقاء به في بروكسل ما قاله أردوغان عن يديه الملطختان بالدماء كما قال أردوغان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة