في التاسع من نوفمبر الماضي كان لافتاً ما أنهى به السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام تصريحه الشهير عن دعمه للرئيس دونالد ترامب.
في الطعون التي سيقدمها بشأن الانتخابات الرئاسية، داعياً ترامب إلى الترشح في انتخابات 2024، إذا لم تُغير الطعون النتيجة المُعلنة بفوز جو بايدن خصوصاً عندما قال: "إذا خسر ترامب قضاياه أمام المحكمة في نهاية المطاف، فعليه التفكير في الترشح مرة أخرى وإنشاء منظمة أو منصة لإبقاء حركته على قيد الحياة، وأود أن أشجعه على التفكير في الترشح مرة أخرى.. وعليه أن يفكر في الأمر".
اليوم يكثر الحديث هنا في واشنطن عما سيحمله خطاب الرئيس السابق للولايات المتحدة بعد أسبوعين، حيث يعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الواجهة مرة أخرى، في ولاية نورث كارولينا وسيكون حديثه في مؤتمر للحزب الجمهوري.
مجلة "نيوزويك" الأمريكية أفردت تغطية خاصة لهذا الحدث المرتقب، وقالت إنه في الوقت الذي تتواصل فيه المعركة على مستقبل الحزب الجمهوري، فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قال إنه سيتخذ قراره على الأرجح بشأن الترشح من عدمه في انتخابات الرئاسة القادمة بعد إجراء الانتخابات النصفية المقررة العام المقبل.. وفي متابعة لتأثير المقابلة الهاتفية المثيرة التي أجراها ترامب مع مذيع برنامج التوك شو "جو باجز" يوم الخميس، وتحدث فيها مجدداً عن الانتخابات الرئاسية العام الماضي وأجاب عن سؤال حول موعد اتخاذه القرار بشأن ترشحه في انتخابات عام 2024 قائلاً بأسلوبه السياسي المشوق دائماً: "لا أعرف تماماً متى يمكنني البت، إلا أنه شيء أبحث فيه بقوة للغاية.. الجميع يريدني أن أترشح، الاستطلاعات كلها تقول إن عليّ أن أفعل ذلك، ولكنني ربما سأتخذ القرار قبل انتخابات 2022، لكن على الأرجح سيكون القرار بعدها، لدينا انتخابات قادمة وأركز عليها، ونريد أن نفوز بمقاعد في مجلس النواب، ونستطيع أن نفوز بمقعدين في مجلس الشيوخ، لكني أريد التركيز على ذلك"، بالرغم من أنه كرر خلال المقابلة مزاعمه بشأن تزوير الانتخابات، وتحدث عن إعادة عد الأصوات في ولاية أريزونا، حيث ما زال الجمهوريون الوطنيون في مجلس الشيوخ بالولاية يقومون بإعادة فرز أكثر من 2 مليون صوت في مقاطعة ماريكوبا.
لكن المهم في هذا اللقاء شديد الاهتمام هو الكاريزما في الحديث، إذ إنه لم يستبعد وهو الرئيس الأمريكي الذي خسر انتخابات عام 2020، الترشح للرئاسة للمرة الثالثة في عام 2024.
وهنا يرد السؤال: لماذا كل هذا الاهتمام بهذا الخطاب المرتقب لترامب خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في ولاية نورث كارولينا من 3 يونيو/حزيران حتى 6 من الشهر نفسه، في مركز مؤتمرات جرينفيل؟ والإجابة هنا سهلة، ذلك أن ترامب قد أجرى عدة مقابلات منذ مغادرته منصبه في يناير/كانون الثاني، لكنه لم يُلقِ كلمة في مؤتمر انتخابي منذ اقتحام بعض مؤيديه مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير/كانون الثاني الماضي دون أي قرار رسمي منه، عندما هاجموا ضباط الشرطة وعطلوا عملية تصويت الكونجرس في الانتخابات ولو لفترة وجيزة.
المتابعة هنا لتداعيات خطاب ترامب المرتقب تزداد يوماً بعد يوم فيما خص إمكانية إعلانه الترشح لانتخابات ٢٠٢٤، فقد ذكر موقع "بوسطن هيرالد" الإخباري الأمريكي نقلاً عن استراتيجيين سياسيين قولهم إن لدى ترامب فرصة جيدة ما إذا ترشح في تلك الانتخابات، بل إن الخبير الاستراتيجي في الحزب الديمقراطي سكوت فيرسون قال صراحة "إن أي شخص يعتقد أن دونالد ترامب سيرحل بهدوء إلى برج ترامب في نيويورك فهو واهم"، وأيضا فإن الخبير الاستراتيجي الجمهوري مايك دينيهي قال: "لن أُفاجأ إذا قرر الترشح مرة أخرى"، يضاف إلى ذلك، بل ويعزز هذه الفرضية، تغريدة الابن الأكبر لترامب التي لمّح فيها إلى احتمال ترشح والده للانتخابات الرئاسية عام 2024 فقد كتب دونالد ترامب جونيور: "لا تقلق "أبي" سنقاتل وسيشاهدون ذلك وكأنه شيء عادي"، بل كان اللافت جدا في تلك التغريدة المدنية انتقاده لغياب استعدادات الجمهوريين للانتخابات المقبلة، لكن الإشارة الكبرى وردت في كلام المستشار السابق لترامب "بيران لانزا" الذي قال قبل ساعات إن الرئيس سيكون في وضع جيد إذا أراد الترشح بعد أربعة أعوام، بحسب ما ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
أما إذا نظرنا إلى تأثير هذه التصريحات على الواقع الحالي لأمريكا، فإن هذا الأمر لا يزال بعيداً جداً من ناحية التأثير الآني، لكن لا يمكننا أن نغفل أنه انطلاقا من نتائج الانتخابات الأخيرة، التي حاز فيها ترامب أصوات أكثر من 75 مليون أمريكي، فإنه ولا شك يحتفظ بمستوى عالٍ من المساندة في الانتخابات المقبلة .
تبقى المسألة القانونية هنا، وقبل أن أتحدث فيها لا بد أن أشير إلى التعديل الثاني والعشرين من الدستور الأمريكي، الذي ينص على أنه: "لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس لأكثر من دورتين"، لكن الدستور لم يقل شيئاً عن فترتين غير متعاقبتين للرئيس.. لكن هذا الأمر وهو الفترتان غير المتعاقبتين في الرئاسة لم تحدث خلال أكثر من قرن، إذ تولى الرئيس غروفر كليفلاند السلطة بين عامي 1885و1889، أما الفترة الثانية فقد كانت بين عامي 1893و1897.
أما الكلام الذي يذكره بعض المحللين من أن الرئيس روزفلت هو الرئيس الوحيد الذي تمكن من الفوز بانتخابات رئاسة الولايات المتحدة 4 مرات، وحكم البلاد لمدة 12 عاما، بين 1933 و1945، وتوفي وهو في السلطة، وفي عام 1947، جرى إقرار التعديل الثاني والعشرين من الدستور الأمريكي، الذي يحظر على رؤساء الولايات المتحدة شغل المنصب أكثر من فترتين، فلا مجال له هنا، إذ الحديث هو عن فترات غير متعاقبة، وهو ما يمكن أن يحدث مع ترامب بعد ٣ سنوات.
المسألة القانونية التي لا بد من الحديث عنها هي الدوافع الأكيدة للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في الترشح للرئاسة مجدداً في عام 2024، وأقول هنا نقلا عن العديد من السياسيين وأعضاء الكونجرس، فإن ترامب سيُجبر على تأكيد نيته المنافسة على سباق 2024 الرئاسي، لأن ذلك سيمكنه من الادعاء بأن أي تحركات لمقاضاته من قبل المدعين العامين في الولايات أو المحاكم الفيدرالية، ليست سوى محاولة سياسية لمنعه من استعادة الرئاسة، وهو ما كنا نسمعه منه كثيراً خلال المحاكمتين اللتين شكلتا له خلال عهده، التي رأى فيها بعض مستشاريه أنها "استمرار لأعظم مطاردة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة"، وأنها تهدف إلى "إيقاف ما يقرب من 75 مليون شخص صوتوا لترامب في الانتخابات".
أخيراً، فإن الانقسام الأمريكي وإن كانت الديمقراطية تمنع ظهوره إلى العلن، فإنه باقٍ في نفوس وقناعات كثير من الأمريكيين الذين لن يقبلوا أبداً ألا يعلن الرئيس ترامب خلال أسبوعين نيته الترشح مجدداً ومن ولاية تعني له ولأنصاره الكثير.. أقصد ولاية نورث كارولينا التي تنتظر كما العالم كله خطابه المرتقب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة