"أبوظبي الاستراتيجي" يختتم أعماله.. نقاش ثري لـ50 خبيرا في 14 جلسة
اختتمت فعاليات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي التاسع الذي عقد على مدار يومين ونظمه مركز الإمارات للسياسات.
ووفق البيان الختامي للملتقى، فشهدت جلسات الملتقى نقاشا مكثفا حول عدد من القضايا ذات الأهمية البالغة إقليميا ودوليا، حيث شارك أكثر من 50 مُتحدثاً ومتحدثةً ينتمون لنخبة من السياسيين والخبراءِ الاستراتيجيين والباحثين المميَّزين وصانعي السياسات من أنحاء مختلفة من العالم في 14 جلسة، ناقشوا فيها تحولات النظام العالمي في إطار ما يبدو أنه "تشكيل اللعبة الكبرى الجديدة".
وكان الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ألقى الكلمة الرئيسة للملتقى والتي تناول فيها تمسك دولة الإمارات بمبادئ راسخة في سياستها الخارجية.
وقال قرقاش إنه ليس لدولة الإمارات مصلحة في "اختيار جانب" بين القوى العظمى، مضيفا:" في الواقع فالمبادئ الأساسية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، هي عدم المساس تحت أي ظرف من الظروف بسيادة الإمارات، وأن تكون الأولوية لمصالح البلاد".
جلسات ثرية
وتناولت الجلسة الأولى من جلسات الملتقى استشراف صعود دولة الإمارات نحو المستقبل في ظل قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بالتأكيد على أن رؤية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في بناء النموذج التنموي الإماراتي وتطويره تقوم على ركيزتين هما بناء الذات وبناء التحالفات.
بينما تمحور الحديث في الجلسة الثانية حول "الحرب الروسية في أوكرانيا: إعادة كتابة القواعد الجديدة للعالم"، حيث تباينت آراء المتحدثين حيال مستقبل الصراع في أوراسيا وتأثيره على اتجاهات الصراع في النظام الدولي.
لكن المتحاورين أقروا بأن الأزمة الحالية ليست مجرد مسألة أوروبية، وأنها تُشكِّل إحدى المؤشرات الكبرى على التحوُّل الراهن في المشهد الجيوسياسي - من عالم أحادي القطبية باتجاه عالم جديد ثنائي أو متعدد الأقطاب يتشكَّل بسرعة.
وطرحت الجلسة الثالثة سؤالاً مركزياً حول أجندة السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث برز تأثير العامل الداخلي، وبشكلٍ خاص الانتخابات النصفية الأخيرة التي أفرزت نتائج مقبولة لإدارة الرئيس جو بايدن ومسارها السياسي.
ورأى بعض المحاورين أنه يُمْكِن توقُّع استمرارية السياسة الخارجية الأمريكية التي انتهجتها إدارة بايدن، والقائمة على العمل متعدد الأطراف ومواجهة الصين وروسيا، بينما رأى محللون آخرون أن الولايات المتحدة كانت وستبقى في المدى المنظور القوة الأساسية على المسرح الدولي، بينما سيحضر التنافس مع الصين بشكلٍ كبير في تشكيل دورها العالمي وعلاقاتها الخارجية.
وتطرَّق المتحاورون في الجلسة الرابعة، التي تناولت حالة أوروبا في الاصطفاف وإعادة الاصطفاف في النظام الدولي، إلى أن أوروبا لم تتعاف بعد من الأزمة المالية العالمية في 2008، وأنها تأثرت تباعا بالأزمات التالية لها، وصولاً إلى الحرب الروسية في أوكرانيا.
وأشار عدد من خبراء تحليل السياسات إلى أن الاستقلالية المنشودة أوروبياً ليست فقط استقلالية الجانب العسكري والسياسة الخارجية، وإنما على مستوى أكثر عمقاً ويتعلق باقتصاد الاتحاد الأوروبي وموارده، وأنه ليس بإمكان الاتحاد الأوروبي فك ارتباطه بروسيا والصين في الوقت نفسه.
الصين والنظام العالمي
وشهدت الجلسة الخامسة نقاشا حول حالة الصين في الاصطفاف وإعادة الاصطفاف في النظام الدولي، حيث أجمع المتحدثون على أنه من الصعب تجاهُل ما تُمثِّله الصين اليوم من مكانة جيوسياسية واقتصادية في النظام العالمي.
ورأى بعض خبراء العلاقات الدولية أن من بين أهم التحديات التي يواجهها النظام العالمي حالياً؛ كيفية إدارة وضبط العلاقة المعقدة بين الصين والولايات المتحدة بطريقة مسؤولة وإيجابية، بما في ذلك مسألة التنافس التكنولوجي المتنامي بين الدولتين.
وخصص الملتقى الجلسة السادسة لمناقشة جيواقتصاديات التنافس الاستراتيجي الدولي كقضايا الغذاء وتغير المناخ، حيث لفت المتحاورون إلى أنه بالرغم من إقرار دول العالم قاطبةً أن تغيُّر المناخ أصبح يمثل تهديداً للأمن البشري، وأن عواقبه تُهدِّد صحة البشر والأمنين المائي والغذائي وتُعزز الهجرة، وأنه لا توجد أي حصانة لأي دولة في العالم من عواقب تغيُّر المناخ، إلا أنه مع ذلك لا يتم حتى الآن تحويل التصريحات والتعهدات إلى خطوات عملية.
واتفق المتحدثون في الجلسة السابعة التي أتت تحت عنوان "جيواستراتيجية التحول في الطاقة: آفاق ناشئة لصراعات جديدة" على أنه لا ينبغي لنا توقُّع الانتقال من مصادر الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة في أي وقت قريب، وأنه على ضوء الصراع في أوراسيا حدث تغيير جوهري في وجهات الطاقة، لكن لم يحدث تغيير جوهري في الإنتاج أو الاستهلاك.
وخلصت الجلسة الثامنة في ختام اليوم الأول التي ناقشت السباق نحو الهيمنة في المجال الرقمي والنظام القطبي التكنولوجي، إلى أن جائحة كورونا سرّعت من تحوُّل العالم نحو الرقمنة، وأن الحكومات ستكون بطيئة مقارنةً بالفاعلين التكنولوجيين من غير الدول في السباق التكنولوجي. وتحتاج الشركات الناشئة التي تظهر في المنطقة العربية إلى بيئة مُمَكِّنة للبحث والتطوير والابتكار، وأن على دول المنطقة زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
مستقبل الشرق الأوسط
وفي اليوم الثاني، خصَّص الملتقى جلساته لاستشراف مستقبل الشرق الأوسط في ضوء التصدعات والاضطرابات التي يشهدها. ففي الجلسة التاسعة "التحالفات والترتيبات الأمنية الإقليمية: شرق أوسط قيد التشكُّل" أشار المتحدثون إلى أن المنطقة تشهد تحولات أساسية وعملية وهناك إعادة تشكُّل قائمة، ومن أبرز محركاتها "الربيع العربي" والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قادت إليه، وكذلك التحوُّل في النظام الدولي، وكما يبدو من تراجُع للدور الأمريكي في المنطقة.
وفي الجلسة العاشرة حول "منطقة الخليج: مسار تنافس القوى الإقليمية والدولية" أشار المتحدثون إلى أن دول الخليج تتعامل مع عالم قيد التشكُّل من جديد، وأن الخليج اليوم الذي يمر بمرحلة انتقالية لا يريد التخلي عن مكانته المركزية، خاصة في ظل قيادات وأجيال شابة مؤهلة.
وفي الموضوع الإيراني خلص المتحدثون في الجلسة الحادية عشرة إلى أن التحدي الإيراني يظل أساسياً في المنطقة، إذ ما زال من الصعب التنبؤ بمسار المفاوضات النووية بين إيران والغرب، وبمدى جدية الإيرانيين في امتلاك القنبلة النووية. وبينما لا تجد دول الخليج العربية في البرنامج النووي الإيراني السلمي خطراً، وتسعى إلى البحث عن سبل التعاون مع إيران في المجالات الاقتصادية بشكل خاص، إلّا أن إيران لم تظهر بعد ما يُطمئن مخاوف جيرانها.
القضية الفلسطينية
وفي الجلسة الثانية عشرة حول "القضية الفلسطينية: خارطة الخيارات والسيناريوهات"، ومع اقتناع المتحدثين بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إلا أنهم لفتوا إلى أن هناك حاجة إلى مسارين متوازيين للتوصل إلى مثل هذا الحل، الأول يقوم على دفع الأطراف الإقليمية للانخراط في صياغة خريطة طريق واضحة للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، والثاني البناء على الاتفاقيات الإبراهيمية بحيث يتم تعزيز التعاون والشراكات الإقليمية في المجالات الحيوية لدول المنطقة وبما يسهم في خلق مصالح مشتركة وتحسين جودة الحياة للفلسطينيين وشعوب المنطقة.
التغير المناخي والصحة العامة
وبينما عَكَست الجلسة الثالثة عشرة، حول تغيُّر المناخ والصحة العامة في الشرق الأوسط، التحديات التي تواجهها المنطقة العربية في مجالات سياسات الصحة العامة وتأثيرات تغيُّر المناخ والاحتباس الحراري، وأن هذه المنطقة معرضة للمخاطر في هذا المجال أكثر من غيرها؛ لفتت الجلسة الأخيرة التي دار النقاش فيها حول المنافع المحتملة للذكاء الاصطناعي وتهديدات الامن السيبراني في الشرق الأوسط إلى أنه في الوقت الذي ينطوي فيه الذكاء الاصطناعي والفضاء الرقمي على فوائد جمة للبشرية والمجتمعات، فإن التكنولوجيا الرقمية يمكن أيضاً أن يتولَّد عنها تهديدات للدول والمجتمعات والأفراد، وبخاصة في ضوء استخدام الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين للهجمات السيبرانية.
وفي كلمتها الختامية في نهاية الملتقى عبرت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات عن شكرها للدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي ألقى الكلمة الرئيسة في الملتقى.
كما شكرت الكتبي جميع المتحدثات والمتحدثين ومدراء الجلسات الذين طرحوا أفكارَهم وآراءهم وتوقعاتهم مما أثرى النقاشات في الملتقى.
ويعد ملتقى أبوظبي الاستراتيجي أهم منصة للحوار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث صُنف ضمن أفضل عشرة مؤتمرات في العالم، وفقاً للتصنيف العالمي لأفضل مراكز البحث والتفكير الصادر عن جامعة بنسلفانيا، منذ عام 2018 ولغاية الآن.
ويحرص الملتقى الذي ينظمه مركز الإمارات للسياسات على أن يستقطب نخبةً واسعةً من صانعي السياسات والخبراء الاستراتيجيين والباحثين البارزين من أنحاء مختلفة من العالم، وذلك استمرارا لأهداف مركز الإمارات للسياسات للنقاش البناء والمتمثلة في تطوير فهم أكبر لتحولات النظامَين الإقليمي والدولي واستشراف مستقبلهما واقتراح أفضل السبل للتعامل مع هذه التحولات.
aXA6IDE4LjE5MC4yMTkuMTc4IA==
جزيرة ام اند امز