منتدى تعزيز السلم يوصي بإصدار إعلان أبوظبي العالمي للمواطنة الشاملة
فعاليات المرحلة الأولى من "حوارات المواطنة الشاملة" تختتم أعمالها بالمطالبة بإصدار إعلان أبوظبي العالمي للمواطنة الشاملة.
انتهت فعاليات المرحلة الأولى من "حوارات المواطنة الشاملة"، التي دامت 3 أيام، من 12 إلى 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، ونظمها "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، برئاسة الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، بالشراكة مع مركز "ويلتون بارك" التابع للخارجية البريطانية، ومؤسسة أديان.
وقال الدكتور محمد مطر الكعبي، أمين عام منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، خلال مؤتمر صحفي عقده بحضور الأنبا أنجلوس، أسقف إيبارشية لندن للكنيسة القبطية، والدكتورة نائلة تبارا مدير معهد إدارة المواطنة والتنوع في مؤسسة أديان -بيروت: "من أبوظبي.. تبدأ دروب السلام، أجل، من أبوظبي نبدأ رحلة جديدة في مسيرة الإنسانية نحو السلام المستدام".
وأكد أن مداولات المرحلة الأولى، التي شارك بها نحو 50 شخصية من العلماء والمفكرين والأكاديميين، وممثلي الأديان في الشرق الأوسط، خلصت إلى الاتفاق على مواصلة البحث المنهجي والتأصيل العلمي؛ بغرض التوصل إلى صيغة نموذجية، تقدم مفاهيم جديدة للمواطنة الشاملة، أو المواطنة الحاضنة للتعددية الثقافية المعاصرة على كل المستويات الإنسانية، الدينية والأخلاقية أو الحقوقية والقانونية؛ تحت عنوان "إعلان أبوظبي للمواطنة الشاملة".
وأوضح الكعبي أن "المتداولين اتفقوا على الانطلاق من (إعلان مراكش التاريخي) حول حقوق الأقليات في الديار الإسلامية، الذي أصدره (منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة) في يناير/كانون الثاني عام 2016؛ باعتباره يشكل نواة ثقافية إنسانية صلبة، وأرضية فكرية ومعرفية إسلامية مؤصلة علمياً بكل المعايير الدينية والفقهية، ويمكن الانطلاق منها لبناء إطار حقوقي وقانوني إنساني شامل، يقدم مفاهيم المواطنة الشاملة، حسبما يسعى هذا المشروع الطموح؛ للارتقاء بالمفهوم من مستوى "المواطنة التعاقدية"، كما نص إعلان مراكش إلى مستوى المؤاخاة الإنسانية الخالصة التي تمارس القيم المشتركة بين الأديان؛ بل بني الإنسان بدلالات جديدة تحيل إلى معانٍ أكثر جِدَّةً، فظلمك ظلمي، وضعفك ضعفي، وألمك ألمي، وجوعك جوعي، ومالك مالي، وعرضك عرضي، وهكذا دواليك، أي بمعنى أن نتراص كبشر كتفاً بكتف كالبنيان الواحد، فأرعى حقوقك وأحافظ عليها وكأنها حقوقي، وأحرص عليك كحرصي على نفسي؛ حتى تنتقل المواطنة بالمؤاخاة من الموجود المشترك إلى الوجدان المتشارك، فتصبح المواطنة بوتقة تنصهر فيها كل الانتمـاءات".
وتابع: "من مكامن القوة في هذا التصور هو الربط المحكم بين المواطنة وإطارها الناظم، المتمثل في مقصد السلم، فمن دون سلام لا حقوق؛ لأن فقدان السلم فقدان لكل الحقوق؛ بما فيها حق المواطنة، فالسلام هو الحق الأول، والمقصد الأعلى، الذي يحكم على كل جزئيات الحقوق، فلا يمكن أن نتصور مواطنة بالمعنى الذي نبحث عنه في بيئة متشنجة.
وقال: "بالسلم تسود الطمأنينة النفسية والروحية والسكينة بين أفراد المجتمع، وتنعكس على العلاقات بين الأفراد والجماعات، ويكون السلم الاجتماعي حالة من الوفاق تتمظهر في التضامن والتعاون، لإيصال النفع إلى الجميع، ودرء الضر عن الجميع، وتتجلى في اللغة والسلوك والمعاملة، فلا عنف في اللغة ولا اعتداء في السلوك ولا ظلم في المعاملة، لأن السلم يوجد بيئة الحب والسعادة والرفاهية والانتماء إلى الأمة والوطن والانخراط في مصالحه، وهو قبل كل شيء مصالحة مع الذات قبل أن يكون مصالحة مع الغير، ما يعني أنه لا سبيل إلى تحقيق المواطنة السعيدة إلا من خلال استراتيجية السلم، فهذا المبدأ الذي نرفعه في منتدى تعزيز السلم، مبدأ عام صادق في كل البيئات، ولا يختص ببيئة دون أخرى، ولا يقتصر على مجتمع دون آخر، ولكنه في عالمنا العربي والإسلامي أظهر، والحاجة إليه أمَسّْ، والوعي به أكثر إلحاحاً".
واستكمل: "اتفق المتداولون على أن تكون المحطة الثانية من "حوارات المواطنة الشاملة" بلندن في مارس/أذار 2019، بمشاركة أوسع من القانونيين والأكاديميين وصانعي السياسة؛ بهدف مواصلة البحث في تنزيل نصوص الميثاق المأمول حول المواطنة الشاملة، في أطر حقوقية وقانونية تشريعية ودستورية تتواءم مع إمكانيات التطبيق أو التنفيذ، وتتناغم مع البيئات الثقافية المتباينة، إذ إن لكل منطقة خصوصية وتجربة تاريخية مختلفة، ما يقتضي التدرج في التطبيق، فمن المجازفة محاولة تطبيق قوانين احتاجت إلى قرون أو أجيال في بيئتها الأصلية على بيئة أخرى مغايرة لها تماماً، صحيح أن هناك حقوقاً أساسية لا تساهل فيها ولا تراجع عنها، لكن هناك حقوقاً ينبغي أن نسير إليها حتى نصل، أما الحقوق الأساسية فلا تمييز فيها إلا التمييز الإيجابي لصالح الأقليات".
واختتم حديثه بالقول: "اتفق المتداولون على أن تكون المحطة الثالثة والأخيرة من (حوارات المواطنة الشاملة) في أبوظبي؛ لإطلاق (إعلان أبوظبي العالمي للمواطنة الشاملة)، بحضور دولي بارز يضم ممثلين للمنظمات الحقوقية الدولية وقادة سياسيين وصناع القرار على مستوى العالم؛ بغرض بحث دعم فرص إجراء حوارات فعالة مع برلمانات وحكومات المنطقة، لتنزيل نصوص الميثاق في دساتيرها، والانتقال به من صوره الأخلاقية والإنسانية إلى صيغ قانونية ملزمة، تجرم من يخالفها، كما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة في قانون التمييز والكراهية".
وتحدث الأنبأ أنجلوس، أسقف إيبارشية لندن للكنيسة القبطية، وأكد أن "الحوارات التي تستضيفها أبوظبي تشكل حدثاً ثقافياً وإنسانياً مهماً، لا سيما أن يستند بمقولاته (إعلان مراكش)، الذي قدم أفضل صور الاهتمام بالأقليات ومفهوم المواطنة الشاملة، التي تعني العدالة والحرية والسلام المستدام، وعلى الجميع أن يدركوا أنه لا مناص من الاعتراف والإقرار بالحقوق والواجبات، وأن نتعايش بتناغم وانسجام وألا نتخندق في متاريس العزلة الدينية أو العرقية أو الثقافية، وعلينا أن نتعلم من دروس الماضي، وأن نستمد منه عناصر القوة للتصدي لانحرافات وانزلاقات المستقبل".
وأعرب الأنبا أنجلوس عن آمله بأن "يحقق هذا الملتقى ما نرجو منه، خاصة لجهة رسم استراتيجية الرحلة المشتركة بين المسلمين والمسيحيين نحو المستقبل"، متمنياً النجاح للجميع من أجل خير الإنسانية.
كذلك تحدثت الدكتورة نائلة تبارا، مدير معهد إدارة المواطنة والتنوع في مؤسسة أديان -بيروت، وأكدت استعداد المؤسسة للتعاون مع منتدى تعزيز السلم ومركز "ويلتون بارك" في حوارات المواطنة الشاملة"، ملاحظة أن "المؤسسة عملت على هذه الأفكار لوقت ليس بقصير، ولديها خبرة كافية لإنجاح حوارات المواطنة الشاملة؛ لأن المؤسسة تنطلق للشراكة مع الآخرين من اعتبار المسؤولية الاجتماعية للأديان، أي العمل معاً من أجل النفع العام، فنحن نتعاون ونتحاور بشأن ما يجمعنا من قيم التضامن والتسامح والعدالة والحرية والتعليم والتنشئة".
مضيفة أنها "تؤيد ما ذهب إليه الدكتور محمد مطر الكعبي، حينما اعتبر أن المواطنة الشاملة لا تتحقق إلا إذا شعرنا ببعضنا البعض، فالتضامن الإنساني هو جوهر المواطنة".