أديس أبابا وأسمرا.. صفحة سلام جديدة تنهي سنوات من الخلاف
الأنظار تترقب لقاء أبي أحمد والرئيس الإريتري أفورقي، والذي من شأنه أن ينهي أطول قطيعة بين دولتين في القارة السمراء.
تتجه الأنظار في إثيوبيا وإريتريا إلى اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والذي من شأنه أن ينهي أطول قطيعة بين دولتين في القارة السمراء بلغت نحو عقدين من الزمان.
وأعلن وزير الخارجية الإثيوبي، ورقينه جبيو، في الـ28 من يونيو/ حزيران الماضي، أن رئيس وزراء بلاده، أبي أحمد، سيلتقي "في أقرب وقت"، الرئيس الإريتري أفورقي، دون تحديد موعد دقيق أو مكان اللقاء، مكتفيا بالقول إنه سيكون "في أقرب وقت"..
وهي عبارة جعلت شعبي البلدين يترقبان بين الحين والآخر، إعلان يوم اللقاء بين الزعمين لينهيا بذلك أطول مرحلة من العداء المزمن بين البلدين.
تاريخ العلاقات الإثيوبية- الإريترية
يرتبط الشعب الإثيوبي والإريتري بعلاقات وأواصر ودم عريقة اختزلها صراع مرير كانت له سلبيات حادة ألقت بثقلها على مسار العلاقات الثنائية.
وخاض الائتلاف الحاكم في إثيوبيا (الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية)، والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا نضالا مشتركاً ضد نظام حكم منغستو هايلي ماريام (1974-1991)
وفي الـ24 من مايو/ آيار 1991، وصلت قوات الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، بقيادة أسياسي أفورقي، إلى أسمرا، بعد 3 عقود من الكفاح الإريتري المسلّح.
وعقب 4 أيام من تحرير أسمرا، وصل تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية الذي تشكل عام 1989، من: "جبهة تحرير شعب تجراي"، و"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، و"الحركة الديمقراطية لقومية أمهرا"، إضافة إلى "الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا" بقيادة رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ملس زيناوي، إلى أديس أبابا، لينهي حكم منغستو هايلي ماريام في العام 1991.
وفي أبريل/ نيسان 1993، وفي استفتاء شعبي، اختار الإريتريون الاستقلال عن إثيوبيا.
وفي الـ3 من مايو/ آيار من ذات العام، اعترفت إثيوبيا بسيادة إريتريا واستقلالها، وتم تشكيل حكومة انتقالية بالبلد الأخير لتسيير شؤون البلاد، وانتخب أسياس أفورقي رئيسًا لجمهورية إريتريا.
ولم تمض سوى سنوات قليلة على استقرار العلاقات بين البلدين، قبل أن تندلع بوادر الخلاف بين أفورقي وزيناوي، دون أن تجدي العلاقات الشخصية التاريخية الوطيدة بينهما نفعا.
وتجدد الصراع من جديد، في مايو/ آيار 1998، على امتداد الحدود بين البلدين البالغ طولها ألف كم.
وتبادل الجانبان الاتهامات ببدء الحرب، وانتهاك الحدود المشتركة، وتصاعدت حدة المواجهات والقتال بين الطرفين فيما عرف بـ"حرب بادمي"، أي مثلث "بادمي" الذي يضم ثلاث مناطق "بادمي وتسورنا وبوري".
وفي مايو 2000، اندلعت مواجهة ثانية بين الطرفين، خلفت نحو 70 ألف قتيل من الجانبين وآلاف الجرحى والمعاقين والأسرى والنازحين، وأنفقت خلالها أكثر من 6 مليارات دولارات.
واستجاب الطرفان لتوقيع اتفاق سلام قادته الجزائر في 18 يونيو/ حزيران 2000، تم بموجبه وقف الأعمال العدائية وإحالة النزاع إلى التحكيم، وأنشئت مفوضية لترسيم الحدود بين الطرفين ويكون قرارها نهائيا وملزماً للجانبين.
غير أن إثيوبيا رفضت حكم اللجنة الدولية، ونشرت الآلاف من الجنود الإضافيين على الحدود مع إريتريا حتى 2018، فيما ظلت إريتريا متمسكة بضرورة تنفيذ الاتفاقية كما جاءت.
وظلت العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا تتأرجح في حالة اللاحرب واللاسلم، عقب النزاع الحدودي الذي اندلع بينهما في 1998 وتوقف عام 2000.
وبعد قطيعة دامت عقدين من الزمن طرق البلدان أبواب السلام وتبادلا إعلان الرغبة في تحقيقه، وسط آمال بفتح صفحة جديدة تشمل إقرار السلام وترسيم الحدود.
إعلان مفاجئ وصفحة جديدة
إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد أبي أحمد، رغبته في فتح صفحة جديدة مع إريتريا كان أمرا مفاجئا، وعبر عن استراتيجية سياسية يسعى لتنفيذها.
وكشف أبي أحمد عن رغبته في إنهاء الخلاف مع إريتريا، في أول خطاب له أمام البرلمان في الثاني من أبريل الماضي، عقب توليه المنصب.
وقال إنه مستعد للجلوس مع الحكومة الإريترية لإنهاء الخلاف عبر الحوار، وأضاف أن الشعبين الإريتري والإثيوبي تربطهما علاقات وأواصر ودم ويجب إنهاء هذه الخلافات.
ولاقت رغبة أبي أحمد، قبولا من الجانب الإريتري على لسان الرئيس الإريتري، أسياسي أفورقي، بكلمة ألقاها في الـ 20 من مايو/ أيار الماضي بمناسبة يوم الشهيد أعلن خلالها إرسال وفد رفيع إلى أديس أبابا لإجراء محادثات سلام.
أسبوع واحد عقب إعلان الرئيس الإريتري، إرسال وفده إلى أديس أبابا، حطّ وزير خارجية إريتريا، عثمان صالح، ومستشار الرئيس الإريتري، يماني جبراب، في مطار أديس أبابا، وكان في مقدمة مستقبليهم رئيس الوزراء الإثيوبي وحكومته، وبوصول الوفد أنهى البلدان قطيعة استمرت نحو عقدين، في زيارة تاريخية.
ترحيب دولي وإقليمي
ووجدت الخطوة التي اتخذتها قيادتا البلدين في المضي قدما نحو السلام، بعد تلك القطيعة الطويلة، ترحيبا دوليا وإقليميا.
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالخطوات الإيجابية من جانب أديس آبابا وأسمرا لحل القضايا العالقة المتعلقة بتطبيع العلاقات.
بدوره، رحب الاتحاد الأفريقي بالتطورات الإيجابية الأخيرة في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا.
ورحبت واشنطن بجنوح إثيوبيا وإريتريا للسلام، وقالت الخارجية الأمريكية إنها تشعر بـ "التفاؤل" للتقدم الذي حققه البلدان في سبيل حل خلافاتهما.
وأضافت أن "الولايات المتحدة تتطلع إلى تطبيع كامل للعلاقات، لينعم البلدان بالسلام الدائم والتنمية".
ويبقى التفاؤل باللقاء المرتقب بين أبي أحمد وأفورقي، وما يحمله من مفاجآت وتغيرات سترسم من خلاله ملامح العلاقات المستقبلية بين البلدين، وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.
aXA6IDMuMTQ0LjIzNS4xNDEg جزيرة ام اند امز