"على الحافة".. مستور الحالة العربية في زمن الاختلالات
كتاب "على الحافة" حمل بين دفتيه 381 مقالة، صاغها الكاتب خلال السنوات بين 2007 و 2013.
يعتقد الكاتب والقاص اللبناني المقيم في لندن عادل علي جازما أن الكتابة إن لم تكن في إطار مشروع ثقافي، فهي ليست بكتابة.. بل هي مجرد قفزة في الهواء، لأن مشروع الكتابة يمثل الحياة أولا، ويسهم بقدر أكبر في رقي الذوق الإنساني، حتى أكثر من العمل الميداني في رسم مستقبل الإنسان وتساهم بشكل جاد وحقيقي في معالجة إشكاليات الوجود على النحو الذي يجعل منها -أي الكتابة- الثقافة الصعبة، السبيل الأفضل لتعكس القدرة الفذة في تحقيق الوعي، وقد بدا هذاالفهم واضحا في كتابه الصادر حديثا عن "دار كتّاب للنشر والتوزيع" في 400 صفحة من القطع المتوسط، وحفل باهتمام نقدي بارز خلال توقيعه له في النسخة الأخيرة من معرض الشارقة الدولي للكتاب.
"على الحافة"، حمل بين دفتيه 381 مقالة، صاغها الكاتب خلال السنوات بين 2007 و 2013 ، وهي الفترة التي تولى فيها مسؤولية الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة الاتحاد الظبيانية، وكان لافتا هذا الأهداء : (إلى الواقفين على الحافة في زمن الاختلالات) الذي يلخّص ما أراد قوله في الرّاهن العربي ، وأزمة الثقافة والمثقف، وأشياء وقضايا كثيرة كشف من خلالها المستور في جدلية الحوار الزائف الدائر في حياتنا، وربما كان كل ذلك مبررا في إختياره لعنوان الكتاب بنص يقول : (الوقوف على الحافة ، ليس محمود العواقب ، خصوصا في زمن إنزلاقات الجغرافيا ، وإنغلاقات الأيديولوجيا ). ثم يأتي المحتوى الذي توزع في قسمين، الأول بعنوان «عناوين»، وفيه مقاربات لقضايا وأحداث عصفت بالواقع العربي في السنوات الماضية، وما زال لبعضها وقائعه وتداعياته، والقسم الثاني بعنوان «مضامين» وتطرق عبره لإصدارات بدت له مستحقة للقراءة والإضاءة .يبدأ علي بموضوعة عنونها (جغرافيا) للتماهي مع صدمة الربيع العربي: (لم يكن محمد البوعزيزي ، يدرك عنما أحرق نفسه أن ألسنة النار سوف تمتد إلى الجغرافيا العربية) وهو أيضا كاتب مستشرف ، فغير جزاله ألفاظة ، ورمزية كلماته ، وصوره الفنية المزوجة المعنى والدلالات ، وهي مستمدة من حنكته في كتابة القصة ، فقد طرق من باب الثقافة وفي مقالة له بعنون : (أمثوله) قصة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، وكيف يلهث المرشحون نحو الفنانين والمثقفين، وأصحاب الأقلام المسنونة ، للترويج لحملاتهم ( والمعروف أن الوسط الفني والثقافي الأميركي بأغلبيته ، يقف على يسار الحياة السياسية ) ، ويعود الكاتب بنا إلى حيث مجد قديم عزيز إندثر ، في (أندلسيات )، لكن في مقاربة عن الحروب الصليبية ، وواقع البقايا العربي في غرناطة وغيرها : ( إن اسوأ ما تعرض له الحضور العربي في الأندلس هو " النكران الثقافي " ، فالثروة العربية التي تركها وراءهم اصبحت غذاء لألسنة النار مثل مكتبة غرناطة ، جامع الحمراء ) وفي ( إعاقات) يبدي علي روح فكاهة ، يمتطي من خلالها حديثا عن فن الرواية ، ويقول: (إذا تقاتل ثلاثة رجال، واحدهم ملاكم محترف من وزن " محمد علي كلاي، وثانيهم هشّ ضئيل من وزن الريشة، وثالثهم معوّق جسديا يحمل مسدسا ، فمن الذي سيربح ؟) وعن هؤلاء الثلاثة صاغ علي موضوعه ذات صلة بصياغة الكاتب الألماني إريش ماريا رمارك تجربته الروائية ، في إطار روايته الشهيرة كل شئ هادئ على الجبهة الغربية).
في السياق قال عادل علي لـ "بوابة العين" حول إصدار كتابه "عندما قررت اصدار هذا الكتاب بحثت في الحقيقة عن مبرر لدفعه إلى النشر ووضعه بين يدي القارئ. فقد كنت وما زلت ممن لا يتحمسون لتجميع مقالات سبق نشرها، ووضعها بين دفتي كتاب. على الرغم من أن كثيرين يفعلون ذلك بشكل دائم، ومنهم الكاتب البريطاني جيريمي كلاركسون الذي يصدر عموده الأسبوعي في “الصانداي تايمز” في كتاب سنوي، وأنا من المدمنين على قراءته أسبوعيا، وعلى إعادة قراءته سنويا. لكني عندما أعدت قراءة عمودي الأسبوعي “على الحافة” الذي كنت أنشره في ملحق “الاتحاد الثقافي” الذي كنت أتولى مسؤوليته التحريرية والإدارية، وجدت أن هناك الكثير من المقالات التي يجمعها سياق معين، سواء في تناولها لقضايا وظواهر ماثلة في السياسة والفكر والعربيين، فضلا عن قراءات لعناوين تركت أثرها في الذائقة العامة والخاصة. وقد اخترت من تلك المقالات، والتي يتجاوز عددها ـ بالمناسبة ـ الخمسائة مقال، ما يمكن تصنيفه في هذا السياق، وبهذا المعنى يمكن القول إن “على الحافة” الكتاب يمثل إعادة قراءة لواقع الحال العربي، في بعديه الثقافي والسياسي، ربما يستأهل مثوله مجددا بين يدي القارئ، الذي يبقى الحكم الأول والأخير له) .
لا يمكن بالطبع الحديث عن مجمل مقالات الكتاب، لكثرتها وتنوعها، ولكننا في الواقع نود الاشارة إلى أن المحتوى الرفيع ، يكشف أن هذا المنجز الابداعي لا ينفصل عن كاتبه ، المصاب بفيروس الكتابة المتمردة ، وعوالمه كمثقف عربي بارز، مهموم بعديد القضايا الثقافية والانسانية ،من خلال تجربته المتنقلة بين أبوظبي وبيروت ولندن، والتي بدت في صياغاته وأطروحاته في مقالات نوعية ناضجة مثل : هويات ، غموض ، التائهون ، صراعات ، تعويذة ، زفرة ، تكنوقراط ، داروين، شوكوزيل ، الارهابي ، البهلوان ، وغيرها كثير، مما يكشف عن مقدرته في الجمع بين الخاص والعام، وحضور الذهني والرمزي بقوة في كل كتاباته وأعماله ، وما يمنح من متعة للقارئ ، وهو يتصفح كتاب مقالات في شكل رواية تملك وحدتها الموضوعية .