تبحث "طالبان" الاندماج في السياسة الدولية عبر تشجيع الغرب على إبقاء بعثاته الدبلوماسية في أفغانستان كما كانت أيام الوجود الأمريكي.
هذا ما يحدث على الجانب الدبلوماسي المعلن، وفي ذات الوقت هناك مشاورات واتصالات مكثفة بين عناصر حركة "طالبان" وقياداتها وبين كثير من دول العالم لمنح "طالبان" فرصة لتثبت أنها يمكن أن تقدم نموذجاً سياسيا مخالفا لتخوفات المجتمع الدولي، ولكن السؤال هل هذا يكفي لتقييم توجهات "طالبان" المستقبلية؟
نظرياً وبشروط محددة، يمكن لـ"طالبان" أن تقدم نموذجا يقبله العالم، ولكن الشكوك تدور حول التطبيق العملي لهذا النموذج، حيث تبدو الأزمة حاليا أبعد من الحدود الأفغانية.
فالنظرة الدولية لـ"طالبان" اليوم مقسومة إلى قسمين: قسم يراها عبر تاريخها الماضي ويصنفها وفق ممارساتها السابقة، وقسم يتحدث بأنه يمكنها تجاوز تاريخها ذاك إذا ما قامت بصنع نموذج سياسي مختلف.
لقد رسخت الفكرة الطالبانية في أذهان العالم منذ الأيام الأولى لصعود الحركة إلى الحكم، حيث بقيت حية في عقول كثير من الدول والمنظمات والأفراد، وهنا سوف تقف "طالبان" أمام اختبار سياسي كبير، وهي وحدها التي يمكنها أن تجيب عن أسئلته الصعبة عبر ممارساتها على الأرض مستقبلا في الداخل الأفغاني.
التحديات السياسية، التي تواجهها حركة "طالبان"، عميقة ومرتبطة بالتكوين الأيديولوجي لها، ولكي تخرج "طالبان" من هذا المنعطف، عليها أن تستعد لمرحلة اندماج عميق مع كل مكونات المجتمع الأفغاني إذا ما رغبت في أن يتأقلم معها العالم.
قد يكون من الصعب الحديث عن تحولات جذرية في معطيات الحركة وقيمها، ولكن هناك من يستطيع أن يقدم لـ"طالبان" كثيرا من المساعدات، خاصة باكستان، التي يمكنها لعب دور بارز في صنع مستحدثات ضرورية للحركة، مع الالتفات إلى المشتركات والتقاطعات القبلية والفكرية والاجتماعية بينهما.
"طالبان" بالتأكيد تحتاج إلى مراجعة مسارها السياسي قبل أن تذهب في طريق بناء العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها القريبين أو البعيدين، فكثير من الدول يشغلها الاستقرار في أفغانستان، لكنها في ذات الوقت ترغب في أن تكون متأكدة من عدم تكرار الماضي عندما تقيم علاقات دبلوماسية مع أفغانستان الجديدة تحت قيادة "طالبان".
المرحلة القادمة محورية فيما يخص قدرة "طالبان" نحو التحول إلى تنظيم سياسي مرن قادر على استثمار الفرص من أجل بناء وتنمية أفغانستان، التي دمرتها الحروب.
ومن القضايا المهمة أمام "طالبان" في هذا الشأن تحاشي الدخول في لعبة توازنات السياسة الدولية، من حيث الذهاب باتجاه فريق على حساب آخر، فهي تحتاج إلى أن تثبت مرونة في بناء دولة تتواءم مع المجتمع العالمي، كما تحتاج بالتأكيد إلى اعتراف بقدرتها على إدارة الأرض الأفغانية بمعايير سياسية حديثة قابلة للانفتاح على الجميع في الداخل وخارج أفغانستان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة