بعد 55 عاما.. محاولة انقلاب ثانية في الجابون تُجهض في المهد بدون دماء
55 عاما تفصل هذا البلد الصغير الواقع في وسط أفريقيا على ساحل المحيط الأطلسي عن آخر محاولة انقلاب عسكرية شهدتها وانتهت بالفشل أيضا.
55 عاما تفصل الجابون، هذا البلد الصغير الواقع في وسط أفريقيا على ساحل المحيط الأطلسي، عن آخر محاولة انقلاب عسكرية شهدتها وانتهت بالفشل أيضا.
ففي صباح اليوم الإثنين، اهتزت الجابون للمرة الثانية على وقع محاولة يبدو أنه تم إجهاضها في مهدها دون سفك للدماء، وفقا للتصريحات الأولية لحكومة البلاد، خلافا لمحاولة مماثلة جرت في 1964، واستمر القتال فيها لأيام.
إخماد في المهد
ضباط حاولوا، فجر الإثنين، السيطرة على مقاليد الحكم بالبلاد، واحتلوا مقر الإذاعة الرسمية، مستثمرين غياب الرئيس عمر بونجو منذ أشهر.
وعلى الساعة 4:30 بالتوقيت المحلي (05:30 ت.غ)، تلا الملازم كيلي أوندو أوبيانغ، بيانا باسم جماعة أطلقت على نفسها "الحركة الوطنية لقوات الدفاع والأمن في الغابون"، اعتبر فيه أن "الكلمة التي ألقاها الرئيس علي بونجو في رأس السنة، تعزز الشكوك في مدى قدرته على مواصلة أداء مهام منصبه».
ويقضي الرئيس الجابوني فترة نقاهة في المغرب عقب فترة قضاها بأحد المستشفيات بالسعودية.
ومطلع العام الجاري، أعلن بونجو أنه يستعد للعودة إلى بلاده قريبا بعد تحسن حالته الصحية، وذلك في مقطع فيديو مصور جرى بثه من العاصمة المغربية الرباط، في أول خطاب متلفز له منذ وعكته الصحية.
ويبدو أن عددا من الضباط أرادوا استباق العودة المحتملة للرئيس، ونفذوا انقلابا سرعان ما تم التصدي له وفق ما أكده المتحدث باسم الحكومة الجابونية، وزير الإعلام غوي بيرتران مابانغو.
وفي تصريحات إعلامية، قال بيرتران مابانغو إنه جرى: «توقيف الضباط المتمردين الذين احتلوا مبنى الإذاعة، في وقت سابق الإثنين، من قبل قوات التدخل السريع التابعة للدرك».
أول محاولة انقلاب بعد الاستقلال
بإخماد انقلاب الإثنين في مهده، يرتفع رصيد الجابون من محاولات التداول القسري على الحكم إلى اثنتين، مع فارق في التفاصيل والحيثيات والنتائج والسياق أيضا.
فبعد عام من استقلال الجابون عن فرنسا عام 1960، تقلد ليون إمبا منصب الرئاسة، بينما كان عمر بونجو أونديمبا (والد الرئيس الحالي) نائباً للأخير في ذلك الحين.
وبصعوده إلى السلطة، قمع إمبا الصحافة وحظر المظاهرات السياسية، كما فرض قيودا على حرية التعبير، واستبعد الأحزاب السياسية الأخرى تدريجياً عن السلطة، ثم قام بتغيير الدستور ليتماشى مع أهدافه التي كانت تخدم المصالح الفرنسية وقتها.
وبتضييق الخناق على الصحافة والحريات، سرت بصفوف الجيش والمدنيين حالة من الاحتقان سرعان ما بلغت درجة الغليان مع قيام إمبا بحل الجمعية الوطنية، في يناير/كانون الثاني، عام 1964، وفرض نظام حكم الحزب الواحد.
شكل ذلك الإجراء القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث حاول انقلاب عسكري جرى في تمام الساعة الخامسة من فجر يوم 18 فبراير/شباط 1964 الإطاحة بـ"إمبا" واستعادة الديمقراطية البرلمانية.
غير أن فرنسا الداعمة بشدة لنظام الرئيس الجابوني حينها، تدخلت بسرعة لإجهاض المحاولة الانقلابية، عبر إنزال مظلي في غضون 24 ساعة لإعادة إمبا إلى السلطة.
وعقب بضعة أيام من القتال، قضي على الانقلاب وسجن أغلب المعارضين.
بونجو الأب والابن
في عام 1967، استلم عمر بونجو أونديمبا السلطة التي استمر فيها حتى وفاته في يونيو/حزيران 2009، حيث أعيد انتخابه لـ3 فترات رئاسية متتالية مدة كل منها 7 سنوات آخرها في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2005.
وتمكن بونجو الأب من تحرير الفترات الرئاسية من القيود الدستورية التي كانت تحدها، حيث أجرى في 2003، تعديلا دستوريا أزال بموجبه أي قيود على عدد فترات الرئاسة.
وفي الجابون، يحتفط الرئيس بسلطات قوية مثل سلطة حل الجمعية الوطنية، وإعلان حالة الطوارئ، وتأخير التشريعات وإجراء الاستفتاءات وتعيين أو إقالة رئيس الوزراء فضلاً عن أعضاء مجلس الوزراء.
وبوفاته عام 2009، انتخب علي بونجو خلفا لوالده رئيسا للبلاد، في اقتراع تخللته طعون من المعارضة في نتائجه، واتهامات بالتزوير والرشوة وغيرها من الخروقات، بل ترافق إعلان النتائج بأعمال شغب وحرق للقنصلية الفرنسية في بورت جنتيل ثاني أكبر مدن الجابون.
ويفسر محللون فشل المحاولات الانقلابية في الجابون بصغر حجم جيش هذا البلد، والذي لا يتعدى عدد عسكرييه الـ5 آلاف، موزعين بين القوات البرية والبحرية والجوية وقوات الدرك والشرطة الوطنية، كما توجد قوة قوامها 1800 رجل لحماية الرئيس.
قوة محدودة جدا للجيش تجعل من قدرته على تنفيذ الانقلابات ضعيفة، في سياسة يقول مراقبون إنها مقصودة من قبل الرؤساء الجابونيين المتعاقبين على الحكم، لإدراكهم لمخاطر الانقلابات العسكرية العاصفة بأفريقيا عموما، والتي تجعل من سجل القارة السمراء حافلا بالانقلابات والتداول القسري على الحكم فيها.