تراجع «إيكواس» عن عقاب النيجر.. تذكرة سفر لرحلة ملغاة
قرار مفاجئ في أروقة إيكواس برفع العقوبات عن النيجر بعد صدام مع الأخيرة استمر أشهرا، يحمل في طياته كثيرا من الدلالات وسيناريوهات مستقبلية.
وقالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، السبت، إنها سترفع العقوبات المفروضة على النيجر التي تشمل إغلاق الحدود ووقف المعاملات المالية، ما فتح الباب أمام تساؤلات عدة، أهمها حول أسباب تراجع إيكواس عن موقفها.
- «إيكواس» ترفع العقوبات عن النيجر بأثر فوري
- قمة استثنائية جديدة في أبوجا.. «إيكواس المبتورة» بوجه أزماتها
كما فتح تساؤلات حول ما إذا كانت مالي وبوركينا فاسو والنيجر ستعيد النظر في قرار انسحابها من المجموعة؟ وهل معنى ذلك أن المنظمة ستغض الطرف عن أي انقلابات «محتملة» بالمنطقة مستقبلا؟
إعادة الحسابات
في هذا السياق، رأى الدكتور عبدالمهيمن محمد الأمين، مدير جامعة المغيلي الأهلية الدولية بالنيجر، أن رفع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" العقوبات عن النيجر "لن يجعل مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعدل قرارها الانسحاب من المجموعة".
وقال الأمين لـ"العين الإخبارية" إن "الدول الثلاث ربما قطعت شوطا كبيرا في محاولة إيجاد عملة خاصة بها،من أجل الحصول على الحرية الكاملة من إيكواس وكذلك الفرنك الفرنسي، مضيفا أن رفع الحصار عن النيجر "ربما يكون فرصة للدول الأعضاء في المجموعة من أجل أن تعيد حساباتها، وأن تقيم علاقات جديدة لا تتمحور بالدرجة الأولى على مصالح فرنسا".
كما أنها تعد فرصة "لبناء علاقات مختلفة عما كانت عليه من قبل"، وفق الأمين الذي قال أيضا إن "إيكواس ستستمر في إصدار قرارات حال حدوث أي انقلاب".
وأكد في الوقت نفسه أن رفع العقوبات عن النيجر ليس الأول من نوعه، وأن "أعضاء إيكواس في النهاية يعودون" في القرارات.
وتابع: "أما بالنسبة للنيجر فالقرار كان أقوى لما صاحب فرض العقوبات من ضجة كبيرة من فرنسا وعدم خروجها بسهولة من النيجر، وأيضا انسحاب مالي وبوركينا فاسو من إيكواس".
ويرى الخبير النيجري أن "إيكواس في حاجة إلى أن تعيد النظر في قانونها الأساسي، وإعادة هيكلتها من جديد بالشكل الذي يحفظ لها ماء الوجه وإلا ستفقد قوتها".
«قرار مفرح»
أما عمر الأنصاري، عضو حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري بالنيجر، فيرى من جهته أن "القرار مفرح لكل نيجري محاصر منذ أكثر من نصف عام من دول الجوار"، معربا عن شكره لـ"إيكواس" لرفع العقوبات عن بلاده.
وقال الأنصاري لـ"العين الإخبارية": "هذا التصرف سيغضب أنصار الرئيس المعزول محمد بازوم"، مستدركا في الوقت نفسه "لكن درء المفاسد أولى من جلب المصالح"، وتابع "نحن نعيش في حصار تام، ولم يؤد إلى نتيجة".
ورغم ذلك، يرى الأنصاري أن "القرار لا يعني طي إيكواس صفحة الوقوف بوجه الانقلابات"، وقال "ربما تغيير الاستراتيجية مؤقتا حتى تخرج من هذا الوضع الحرج".
«تشجيع الانقلابات»
في المقابل، أكد محمد أغ إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باماكو بمالي، أن "سلاح العقوبات الاقتصادية أثبت فشله والديمقراطية لم تعد أولوية في النظام الإقليمي والدولي تحت التأسيس".
وأوضح إسماعيل، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن قرار إيكواس "سيشجع الانقلابات في القارة وعدم الاستقرار بها"، مضيفا "لا ننسى أن قضية عدم الاستقرار السياسي في أفريقيا مرتبط دائما بالصراع الدولي منذ الحرب الباردة، لأن القارة مفعول بها في العلاقات الدولية".
ورأى إسماعيل أن "إيكواس أحسنت اتخاذ القرار هذه المرة، خصوصا أنها مهددة بالانهيار بسبب سعيها للدفاع عن الديمقراطية الانتخابية على الأقل".
«ستعود للمجموعة»
بدوره، رأى الدكتور توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن قرار إيكواس رفع العقوبات عن النيجر وعودة حركة الطيران وتبادل السلع مع هذه الدولة «يعني أن هناك تغييرا في استراتيجية المجموعة في التعاطي مع الدول الانقلابية».
وقال بوقاعدة، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن المسائل الديمقراطية "تم زحزحتها كأولوية في إطار عمل المجموعة الاقتصادية"، موضحا أن "السبب الرئيسي في هذا التحول هو عدم جدوى العقوبات التي فرضتها إيكواس على الدول الانقلابية، بقدر ما يهدد انسحاب هذه الدول منها مستقبل المجموعة ذاتها".
الخبير الجزائري قال أيضا "ربما استشعرت المجموعة أن الدول الغربية خاصة فرنسا التي دفعت المجموعة لقراراتها السابقة ضد النيجر ومالي وبوركينا فاسو، أثبت الواقع أنها تسارع لتطبيع علاقاتها مع هذه الدول لضمان استمرار مصالحها".
ورأى بوقاعدة أن الدول الثلاثة ستعود لـ"إيكواس" من أجل فك الحصار عنها واستمرار إمداداتها بالموارد الأساسية، وتصريف منتجاتها التي لاقت كسادا كبيرا في المرحلة الماضية.
وأضاف أن نيجيريا، التي تقود المجموعة في المرحلة القادمة، "مدركة جيدا لحجم هدر المصالح الأفريقية ومصالحها على وجه التحديد جراء استمرار المقاطعة، وأن هذه الآلية لم تكن ناجعة في الحفاظ على الأنظمة الدستورية بقدر ما شجعت أكثر الحركة الانقلابية في دول غرب أفريقيا".
وتابع: "لذلك أضحت المراجعة أمرا واقعا في تقدير رؤساء الدول خلال اجتماعهم الأخير"، مؤكدا أن "الاستمرار في نهج الخيار السابق حتما سيؤدي إلى تآكل المجموعة، وفقدان أساس توحدها في تعزيز مصالح دولها وزيادة الاندماج بين اقتصادياتها وتعزيز المصير المشترك في ضمير شعوبها الذي تعرض لهزات عنيفة خلال هذه المرحلة".
فشل العقوبات
وأرجع الدكتور شريف جاكو، الخبير التشادي في الشأن الأفريقي، قرار رفع العقوبات على النيجر إلى "فشل العقوبات".
وقال جاكو، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "نجحت حكومة النيجر وحققت نجاحات اقتصادية كبيرة بجانب النجاحات السياسة"، مضيفا أن النيجر الآن لها إنجازات كبيرة في المجال الزراعي، وأنها سجلت معدلات الإنتاج في البصل الأعلى في غرب أفريقيا.
وتابع أن تذمر شعوب دول غرب أفريقيا كلها ضد العقوبات وضد الضغط على أي شعب، خاصة بعدما حدث في السنغال وصمت إيكواس أمام تعطيل الانتخابات في داكار، لافتا إلى أن "إيكواس شعرت بعدم تأييد شعبي لقراراتها الأخيرة".
جاكو يرى أن السياق الحالي يمهد لعودة الدول المنسحبة من إيكواس، "ربما على المدى الطويل"، مؤكدا أن الدول الثلاثة المنسحبة "تمثل أهمية سياسية واقتصادية وعسكرية".
قمة استثنائية
وجاء الإعلان عن رفع المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" العقوبات عن النيجر في أعقاب قمة استثنائية لدول المجموعة، السبت، تناولت الأزمة السياسية في المنطقة التي تشهد ما تسميه "انقلابات".
وأكد الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، الذي ترأس الاجتماع، أن "القمة عقدت لمعالجة التطورات الإقليمية الملحة والوضع السياسي في النيجر وبوركينا فاسو ومالي".
وأضاف الرئيس النيجيري في البيان الصادر من المجموعة، إنه "يتعين على المنظمة الدخول في حوار بناء، والتحلي بالحكمة والعمل بشكل جماعي لإيجاد حلول لتعزيز السلام والأمن والاستقرار السياسي".
يذكر أن شركاء النيجر الإقليميين والغربيين فرضت سلسلة من العقوبات ضد النيجر في محاولة للضغط لإنهاء الانقلاب واستعادة النظام الدستوري بعودة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم.
إذ فرضت (إيكواس)، التي تضم 15 دولة، في قمة طارئة لها يوم 30 يوليو/تموز الماضي، مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية، إلى جانب تعليق عدد من الدول والمنظمات الدولية مساعداتها للنيجر إثر الانقلاب.